تنمية ذاتيةصحة نفسيةعلم نفسفلسفةمدونتي

كيف تصنع حكايتك بين الواقع والخيال

بين الواقع والخيال: لماذا نبتدع حكايات لننجو؟

اصنع قصتك الخيالية

الإنسان منذ أقدم الذاكرات اختلق لنفسه حكايات. ومع أنها تبدو وهماً في كثير من الأحيان، فإنها في الحقيقة وقودٌ يمدنا بالمعنى؛ بمعنى أننا نحتاج إلى قصص لنفهم، لنأمل، ولننهض مرة أخرى. لكن السؤال العميق هنا: لماذا نصنع قصصاً وهمية؟ وكيف تساعدنا هذه الحِكايات على الاستمرار رغم قسوة الواقع؟


أولاً — الحكاية كآلية بقاء

بادئ ذي بدء، الخيال ليس ترفاً؛ بل هو آلية بقاء.

  • عندما نفقد السيطرة أو نواجه ألماً، نصنع سيناريوهات «مغايرة» — عالماً نتحكّم به.
  • بالتالي، الخيال يخفّف القلق لأنه يمنحنا إحساساً بأننا لسنا عاجزين تماماً.
    وبذلك، يصبح الوهم مؤقتاً، لكنه فعال: يخفف الضغط النفسي ويمنح القدرة على التحمّل.

ثانياً — الحكايات تُعيد ترتيب المعنى

علاوة على ذلك، نستخدم الحكاية لإعادة تفسير حدثٍ صارخ أو ألمٍ مررت به.

  • بدل أن نواجه صدمةً عارية، نلبسها نصاً، ونسير بين فصوله حتى نصوغ درساً أو غاية.
  • بهذا يكون الخيال وسيلة تحويل: من ألمٍ بلا معنى إلى تجربة قابلة للحمل.
    لذلك، قد نجد شخصًا قد عاش محنةً عظيمة لكنه ظلّ مقبلاً على الحياة لأنّه حكى قصته بطريقة تمنحه قيمة ونُبلًا.

ثالثاً — الهروب ليس دائمًا هروبًا: هو إعداد للعودة

مع ذلك، لا يعني الهروب إلى الخيال انطفاء الإرادة. بل على العكس:

  • الهروب قد يكون «مخيماً تحضيرياً» حيث يُعيد الشخص شحن طاقته، يعيد ترتيب أولوياته، ويجرب نهايات بديلة للمستقبل.
  • ثم، بعد فترة، يعود الشخص ليواجه الواقع—ولكنه يعود مختلفاً، أكثر مرونة، وأفضل استعداداً للتعامل.

رابعاً — الخطر: متى يتحول الخيال إلى فخ؟

مع كل ذلك، يجب أن نعترف بوجود حدٍّ رقيق:

  • عندما يصبح الخيال بديلاً دائماً عن التغيير الحقيقي، يتحول من سلاح نجاة إلى سجن.
  • عندما نُقنع أنفسنا بأن القصص الوهمية قد حلّت محل اتخاذ القرار، نؤجّل معالجة الأسباب الحقيقية للمشكلة.
    لذا، الفرق بين «خيال صحيّ» و«خيال مُهلك» هو القدرة على التمييز: أن نستخدم الخيال كأداة مؤقتة، لا كحلّ نهائي.

خامساً — لماذا القصص تعمل؟ أساسها النفسي والعصبي

من الناحية العلمية، هناك تفسيرات تدعم فعل الحكي والخيال:

  • الذاكرة والتجديد: الأحداث الجديدة تُؤسّس ذكريات أكثر غنى؛ الخيال يوفر تفاصيل جديدة للمخ كي يعيد ترميز التجربة.
  • تنشيط نظام المكافأة: الخيال يمكن أن يطلق موجات صغيرة من الدوبامين، ما يعيد توازن المزاج.
  • التشخيص الذاتي: عبر الحكي نُعيد تسمية المشاعر—ومن ثم نقلل قوة ارتباكها.

سادساً — كيف نصنع قصصاً تفيدنا فعلاً؟ خطوات عملية

إليك خطوات تطبيقية تساعدك تصنع حكايةً واقعية-مغذية بدل المشاعر الهاربة فقط:

  1. سجّل الحادثة بواقعية — اكتب ما حدث بدون مبالغة.
  2. اخرج منها بعنوان — امنح الحكاية عنواناً مبسّطاً (مثلاً: «خسرت ثم تعلمت»).
  3. أضف فصلاً للتعلّم — ما الدرس أو المهارة التي اكتسبتها؟
  4. ارسم خطّة عملية — ماذا ستفعل الأسبوع، الشهر، السنة المقبلة؟
  5. اجعل الخيال داعماً لا مهرباً — اختبر سيناريوهات بديلة كنمذجة قبل التنفيذ، ثم عد إلى الواقع وفعل ما يناسبه.
  6. شارك الحكاية — الحديث عنها بصوتٍ مسموع يخفّف ثقلها ويجعلك تحاسب ذاتك بلطف.

سابعاً — الحكايات المشتركة: من أنا ونحن؟

علاوة على ما سبق، للحكايات القدرة على بناء مجتمعات. عندما نشارك قصص الألم والنجاة، فإننا:

  • نكسر العزلة،
  • نمنح الآخرين إذناً ليحكوا هم أيضاً،
  • ونصنع هويةً جماعية تقوى على مواجهة الواقع.

خاتمة — بين الوهم والمعنى: توازن نعيش به

الأمر إذاً ليس أن نخفي الحقيقة خلف ستارٍ من الأكاذيب، ولا أن نحطم الخيال باعتباره وهماً فارغاً. بل المطلوب: فنّ التوازن.

  • استخدمي الخيال كمرساة للمرونة، كمساحة للتدريب والمواساة، وكأداة لصياغة معنى.
  • وفي المقابل، لا تخلقي من الحكاية قفصاً يمنعك من الفعل.
    حين نقدر أن نصنع قصصاً تُعيننا، ثم نخرج منها لنغيّر الواقع بطرق صغيرة متواصلة، نكون قد اكتشفنا وظيفة الخيال الأرقى: ليس للتواري، بل للتعافي والعودة.

كما ويمكنك أيضاً قراءة مدونتنا والمزيد عن :

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى