صحة ورشاقة

الأخطاء الطبية… بلبلة بعد وفاة أردنية تحت الجراحة

مريض يستعد لإجراء عملية جراحية (سبنسر بلات/ Getty)

أثارت حادثة وفاة طبيبة أسنان أردنية، في الثلاثين من عمرها، بعد إجرائها عملية شفط دهون في عيادة خاصة بالعاصمة عمان، جدلاً كبيراً، ليفتح باب النقاش مجدداً حول الأخطاء الطبية. يقول والد طبيبة الأسنان، محمود البستنجي، في تصريحات صحافية بعد وقوع الحادثة، إنّ ابنته توفيت خلال إجرائها عملية شفط دهون في إحدى العيادات الخاصة. ووصف ما جرى بـ”الجريمة بحق شابة، جرى الإيقاع بها عبر الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي“، معتبراً أنّ الطبيب خدعها. 
وفي التفاصيل، يوضح الوالد أنّ زوجته بقيت بانتظار ابنتها لمدّة ساعتين داخل العيادة عندما كانت تجري العملية، وبعد السؤال عن حالتها، أخبرتها إحدى الموظفات في العيادة أن تذهب إلى الغرفة المجاورة، وفي هذه الأثناء، تمّ نقل جثة ابنته الطبيبة إلى سيارة الطبيب الخاصة، وليس عبر سيارة إسعاف أو دفاع مدني، إلى أحد المستشفيات. 
وفي السياق، يقول القائم بأعمال نقيب الأطباء، الدكتور محمد رسول الطراونة، إنّ قضية وفاة طبيبة بسبب عملية “ِشفط دهون” أُجريت داخل عيادة خاصة، منظورة لدى القضاء، ومعلّقة لدى النقابة، بانتظار قرار القضاء. ويشير إلى أنّ نقابة الأطباء استدعت الطبيب بعد ورود شكاوى بحقه، على خلفية إدراج منشورات وإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن إجراء عمليات شفط الدهون بأسعار تفضيلية. وبالتالي، تمّ تحويله إلى لجنة ضبط المهنة، ووقّع على تعهد بعدم تكرار الأمر.  
ويوضح الطراونة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّه ليس من مسؤولية الناس التمييز بين الخطأ الطبي أو المضاعفات، لكنّ عليهم أن يعلموا أنّ غالبية الإجراءات الطبية لها مضاعفات، لا علاقة لها بأداء الطبيب أو مكان إجراء العملية. ويضيف: “الخطأ الطبي هو مفهوم علمي، ومن يجب عليه التمييز بين الخطأ الطبي والمضاعفات، هي اللجنة الفنية المرتبطة بقانون المسؤولية الطبية، وهناك لجنة عليا ولجان فرعية، تُقدّم الرأي الفني، وتضع الفواصل بين الخطأ الطبي والمضاعفات، وتُعطي رأيها  للجهة التي تطلبه، وفي الغالب المحكمة. 

ويشير إلى أنّ “هناك جهات عدّة تستقبل شكاوى المواطنين حول شبهات الأخطاء الطبية، منها النقابة، ووزارة الصحة، والمحاكم. ولكلّ جهة دور معين، فالنقابة دورها رقابي وتخاطب وزارة الصحة، وهي الجهة التنفيذية”. ويلفت إلى أنّ قانون المسؤولية الطبية جديد وعمره لا يزيد عن 3 سنوات، ولغاية الآن، يغطي كلّ القضايا المطروحة والتي يشتبه بأنها أخطاء طبية. ويتابع الطراونة: “عادةً، يقرر ويحكم الرأي العام مسبقاً على الموضوع،  قبل صدور أي رأي فني أو قرار محكمة، وبالتالي لا يكون دائماً صحيحاً”. ويطالب المواطنين بعدم الانسياق خلف الإعلانات غير المضبوطة، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحرّي الدقة،  في حال رؤية إعلان مشبوه عبر التواصل مع نقابة الأطباء أو وزارة الصحة. كما يدعو إلى التريث في إصدار الأحكام من قبل المواطنين، فالحديث عن وجود أخطاء طبية من دون ثبوتها، يؤثر سلباً على القطاع الطبي والسياحة العلاجية في المملكة. 

بدوره، يقول رئيس الجمعية الأردنية للحماية من الأخطاء الطبية، المهندس مصطفى المناصرة، إنّ “الفتاة التي توفيت متمسكة بالحياة، ذهبت للاهتمام بالنواحي التجميلية، إلا أنّها فقدت حياتها بسبب خطأ طبي”. ويعتبر أنّ بعض الأطباء لم يعُد يكترث بالحالة الصحية للمريض، بقدر الاهتمام بالحالة المادية له، ما يتسبب بزيادة الأخطاء الطبية. ويضيف: “في السابق، كان هناك سمعة رائعة للطب الأردني ويستقطب الكثير من الراغبين في العلاج بالمملكة، لكنّ للأسف، هناك البعض في القطاع الخاص يبحثون عن الربح المالي”. 
ويشير إلى أنّ “حادثة وفاة طبيبة الأسنان ليست مستغربة، فهناك بعض الأطباء يجرون عمليات كبرى في عياداتهم الخاصة، في حين أنّه يجب إجرائها في المستشفيات، وكلّ ذلك ليوفروا المال، ولعدم دفع أجرة غرفة العمليات وأطباء التخدير”. ويلفت إلى وجود أطباء كبار ومعروفين، يقعون في هذه المشكلة، مذكّراً بحادثة وفاة مواطن قبل 5 سنوات، عندما أجرى طبيب له عملية تقويم فكّ، في عيادته الخاصة، وخلال عودته على الطريق توفي الشخص بعد حدوث نزيف دموي. 

أطباء يجرون عمليات كبيرة في عياداتهم الخاصة بدل المستشفى توفيراً للمال  

ويروي المناصرة: “بدوري، وقع عليّ خطأ طبي جسيم في العينين، بعدما كنت أرى  في العام 2010، الأمر الذي دفعني مع العديد من المتضررين والمهتمين إلى إنشاء الجمعية، ومنذ ذلك اليوم، رفعت قضية وشكوى على من تسببوا بالخطأ الجسيم، لكنّ للأسف، ما زلت حتى اليوم أدور بين المحاكم”. ويرى أنّ قانون المسؤولية الطبية جيّد كما الكثير من القوانين الجيدة المنصوصة في البلاد، لكن المشكلة تكون دائماً في التنفيذ وتطبيق هذا القانون. ويشير إلى أنّ الأردنيين، بطبيعتهم، متسامحون، فأحدهم توفيت ابنته، ذات السبع سنوات، وكان هناك اشتباه بوقوع خطأ طبي، وكان يرغب برفع دعوى قضائية في المحكمة، إلا أنّه عدل عن اللجوء إلى المحاكم وسامح الطبيب. 
من جهته، يشرح الخبير في الأخلاقيات الطبية وحقوق المرضى، المستشار الأول في الطب الشرعي، الدكتور هاني جهشان، لـ”العربي الجديد”، أنّ “قانون المسؤولية الطبية والصحية صدر  في 31 مايو/أيار 2018، وأصبح نافذاً في بداية سبتمبر/ أيلول من العام ذاته. لا يوجد خلاف على أهمية وجود قانون للمسؤولية الطبية، فالأخطاء الطبية والتراخي في مواجهتها يشكلان انتهاكاً لحقّ المريض بالحياة والصحة والعلاج”. 

قانون المسؤولية الطبية جيّد، لكن كالعادة تكمن المشكلة في تنفيذه وتطبيقه

ويشدد على أنّ التراخي التشريعي والإجرائي والاستقصائي بمواجهة الأخطاء الطبية، يشكل ضرراً مباشراً على المريض والصحة العامة للمجتمع، موضحاً أنّ تعريف الخطأ الطبي في قانون المسؤولية الطبية، هو “أي فعل أو ترك أو إهمال يرتكبه مقدّم الخدمة، ولا يتفق مع القواعد المهنية السائدة ضمن بيئة العمل المتاحة، وينجم عنه ضرر”. ويلفت إلى أنّه لا ينتج ضرر عن كلّ خطأ طبي، إذ إنّ أغلب الأخطاء الطبية لا ينتج عنها ضرر واضح يمكن توثيقه، وعلى المشرّع أن يوضح ذلك في القانون، ويحدد الجهة التي تتعامل مع توثيق الأخطاء التي لا ينتج عنها ضرر، وتشكل اخطاء مهنية. 
وينتقد جهشان تولي وزارة الصحة الإشراف على تطبيق قانون المسؤولية الطبية، مشيراً إلى ضرورة تطبيق القانون من قبل هيئة مهنية مستقلة محايدة، للتحقيق الفني في الأخطاء الطبية موازية للتحقيق القضائي. ويضيف: “ليس سرّاً أنّ وزارة الصحة تعاني من البيروقراطية الإدارية المزمنة، الواسطة والمحسوبية، ولا يمكن تأكيد  تخلصها من شبكات الفساد في مجالات عديدة”. ويرى أنّ “العقوبات في القانون وُضعت لِجَنْي المال من الأطباء على أفعال مسلكية، وُصفت بأنّها جرائم، وتشكّل مجالاً رحباً للاستغلال والاستقواء الإداري على الأطباء، فأغلب النشاطات الحالية لأطباء وزارة الصحة تشكل انتهاكاً  للقانون، إضافة إلى تدني أعداد الموارد البشرية، وضعف البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية”. 

ويلفت إلى أنّ الأردن وقّع على كلّ الاتفاقيات الدولية المتعلقة في الحق في الصحة، وهو عضو فاعل في منظمة الصحة العالمية، والحكومة الأردنية ملزمة بواجب الحفاظ على الحق في الصحة، ومواجهة الأخطاء الطبية وما يليها من مسؤولية وضرر وانتهاك لحق الإنسان بالصحة والحياة. ويشدد على أنّه “لا فائدة من أي تشريع في بيئة غير مهيأة له، فحماية المرضى من الأخطاء الطبية والحفاظ على حقوق المواطن بالحياة والصحة والعلاج، يتطلب أن يتحمل وزير الصحة مسؤولياته، والبدء في حوار وطني مهني يؤسس لهيكلة إدارية فاعلة تشرف على تنفيذ القانون بحيادية وشفافية، بعيداً عن البيروقراطية الإدارية لوزارة الصحة”.  
ويتوقع أنّه في حال أثبت تقرير المركز الوطني للطب الشرعي، أنّ وفاة الطبيبة ناتج عن خطأ طبي، فإنّه سيواجه تهمة التسبب بالوفاة الناتج عن خطأ طبي، والتي تصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات، واستناداً إلى قانون المساءلة الطبية، فإنّه لا يجوز توقيف الطبيب في حال واجه تهمة التسبب بالوفاة بسبب خطأ طبي، وتحال القضية إلى القضاء. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى