صحة ورشاقة

سرطان اليمن… قاتل طليق وضحايا مهملون

علاج كيميائي في صنعاء من دون كمامات رغم كورونا (محمد حويس/ فرانس برس)

 

في اليمن الذي تكثر أزماته التي تختلف طبيعتها، يأتي السرطان كأزمة صحية إضافية. وتزيد معاناة المصابين وعائلاتهم وسط الإهمال الموصوف.

يدفع مرضى السرطان في اليمن ضريبة الحرب بشكل مضاعف. ومنذ بدء النزاع قبل ستة أعوام، تحوّل آلاف المصابين إلى ضحايا منسيين في ظل عجز السلطات الصحية المحلية وانشغال المنظمات الدولية بمكافحة الأزمات الصحية الراهنة لا سيّما جائحة كورونا. وفي حين يُعَدّ مرض السرطان قاتلاً طليقاً، تلجأ العائلات الميسورة إلى خارج البلاد لتوفّر العلاج للمصاب من بين أفرادها. أمّا الغالبية العظمى فتستسلم لمصيرها، وتلازم منازلها في انتظار الموت.

ولا تمتلك السلطات الصحية اليمنية سجلات دقيقة خاصة بأعداد المصابين بالسرطان، نظراً إلى عدم تشخيص معظم الحالات خصوصاً في المناطق الريفية إلى جانب لجوء المئات إلى العلاج في خارج البلاد. وعلى الرغم من العجز في الوصول إلى كل المصابين، فإنّ منظمة الصحة العالمية تشير إلى 35 ألف مصاب في اليمن. يُذكر أنّ الإصابات تزايدت في خلال الأعوام الستة الماضية، ووفقاً لتقارير أممية يُشخّص 11 ألف مصاب بالسرطان سنوياً، وهي حصيلة صادمة في بلد يفتقر إلى أبسط الخدمات الصحية المؤهلة لمجابهة أبسط الأمراض. ولا يفرّق مرض السرطان بين فئة عمرية وأخرى، وفي حين يُشار إلى إصابة نحو ألف طفل فقط من إجمالي 35 ألفاً على مستوى اليمن، تفيد تقارير رسمية اطلعت عليها “العربي الجديد” أنّ 60 في المائة من المصابين تتراوح أعمارهم بين 30 و60 عاماً.

وبينما لم يحظَ مرضى السرطان بالاهتمام اللازم من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة، يبقى المركز الوطني لعلاج الأورام الذي أُنشئ في عام 2005 الوجهة الأساسية للمصابين من كل أنحاء البلاد، إلى جانب بعض المرافق الصحية ذات الصلة والتي أنشأتها مؤسسات خيرية في عدد من المحافظات. وقد ذكر مركز الأورام في صنعاء الذي يحوي 75 سريراً فقط، في تقرير حديث، أنّه يستقبل ستة آلاف حالة جديدة سنوياً، ويقصد المصابون بمعظمهم قسم العلاج الإشعاعي الذي يُعَدّ الوحيد على مستوى اليمن، ويُقدَّر عددهم بنحو 600 أسبوعياً. وفي خلال العامَين الماضيَين، واجه المركز صعوبات مختلفة، مع النقص الحاد في الأدوية. وبحسب مصادر طبية، فقد تكفّلت منظمة الصحة العالمية بتوفير علاجات كيميائية لثلاثة آلاف مصاب في العام الواحد فقط.

(أحمد الباشا/ فرانس برس)

وبعيداً عن صنعاء، تبدو تعز في صدارة المدن اليمنية التي سُجّلت فيها إحصاءات صادمة للمصابين بمرضى السرطان، وفقاً للطبيب أحمد محمد المخلافي المتخصص في أمراض الدم. ويقول لـ”العربي الجديد” إنّ “تسعة آلاف حالة سُجّلت في مركز الأمل لعلاج السرطان في مدينة تعز”، كاشفاً عن “عجز كبير في الأجهزة التشخيصية والعلاجية في اليمن، فضلاً عن صعوبات تسببت فيها الحرب، إذ يعاني المصابون من عدم القدرة على الوصول إلى المرافق من جرّاء الحصار وإغلاق الطرقات”. ويشير المخلافي إلى أنّ “مركز الأورام في صنعاء يمتلك الجهاز الوحيد المخصص للعلاج الإشعاعي لكل المحافظات اليمنية. لكنّ المصابين بسرطان الغدة الدرقية في حاجة إلى اليود المشعّ، وهذه المادة غير متوفرة في اليمن منذ بداية الحرب، وهو ما يضطر أفراد هذه الفئة من المصابين إلى السفر إلى الخارج بهدف تلقي علاجاتهم”.

ونظراً إلى عجز مركز الأورام الحكومي وكذلك المراكز التابعة لمؤسسات خيرية عن تقديم الدواء المجاني للمصابين، يضطر مصابون كثر إلى شراء الأدوية من الصيدليات التي توفرها بأسعار باهظة، فيما يُتاح السفر إلى الخارج أمام الميسورين. ومع انهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، لم يعد علاج السرطان متوفراً لجميع الراغبين في الحصول عليه في داخل البلاد. وبحسب أحمد المحيا الذي يعالج والده في مدينة تعز، فإنّ “سعر الجرعة العلاجية الواحدة ارتفع أخيراً إلى نحو 600 دولار أميركي”.

لا يتوفّر تفسير دقيق لأسباب تزايد الإصابات بالسرطان في اليمن. وبحسب منظمة الصحة العالمية، من إجمالي 35 ألف مريض، فإنّ 11 ألف إصابة جديدة شخصت في عام 2020. من جهتها تفيد وزارة الصحة الخاضعة للحوثيين في صنعاء، بأنّ 71 ألف إصابة بالسرطان سُجّلت في خلال أعوام الحرب الستة. وتحاول السلطات التابعة للحوثيين استغلال المرض سياسياً. ففي تقرير حديث، أعادت وزارة الصحة في صنعاء ارتفاع عدد الإصابات بسرطان الدم بين الأطفال في العاصمة من 300 حالة إلى 700، إلى استخدام التحالف الذي تقوده السعودية أسلحة وغازات محرّمة دولياً في الغارات الجوية التي شنتها على حيّ عطان وحيّ نقم. لكنّ عدداً من الأطباء يستبعدون دقة ما تشير إليه السلطات الحوثية. ويقول طبيب في العاصمة صنعاء، فضّل عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، إنّ “ذلك ليس علمياً، بل هو مجرّد اتهامات سياسية اعتاد عليها الناس في خلال الحرب”. ويشدد لـ”العربي الجديد” على أنّ “مثل هذه الاتهامات لا بدّ من أن تسبقها دراسات معمّقة وتحليل عينات من المصابين في مختبرات عالمية”.

(محمد حويس/ فرانس برس)

وسُجّلت في اليمن أمراض سرطانية مختلفة وقاتلة في خلال الأعوام الأخيرة، علماً أنّ سرطان الجهاز الهضمي يبقى في الصدارة، من جرّاء سلوكيات متّبعة في المجتمع اليمني، في مقدّمتها تخزين القات. فالمزارعون يستخدمون مواد كيميائية محرّمة من أجل قطف القات وبيعه قبل أوانه. وبحسب تقرير حديث، يمثّل المصابون بسرطانات الجهاز الهضمي ما نسبته ثمانية في المائة من العدد الكلي، يليهم المصابون بسرطان الفم واللثة بنسبة سبعة في المائة، ثمّ سرطان الغدد اللمفاوية وسرطان الثدي.

وإلى جانب القات الذي يتحمّل مسؤولية نسبة من سرطانات الجهاز الهضمي في اليمن، يبرز ما يسمّى بمسحوق الشمّة وهو خليط من التبغ ومواد عضوية توضع تحت اللسان، كسبب رئيسي لسرطانات الفم والدم. وتحلّ مدينة الحديدة الساحلية التي يتعاطى سكانها هذا المسحوق بكثرة في صدارة المدن المصابة بهذه الأنواع من السرطان.

ويوضح متخصصون أنّ أسباب تزايد إصابات السرطان تعود بدرجة أساسية إلى غياب الدور الرقابي وليس إلى سلوكيات المجتمع فحسب، إذ تسمح السلطات الرسمية بتهريب أنواع سامة من المبيدات التي تُستخدم ليس لرشّ القات فحسب إنّما كلّ المزروعات. ويقول المهندس الزراعي محمد الأغبري لـ”العربي الجديد”، إنّ “جشع المزارعين والرغبة في إخراج المحاصيل قبل أوانها، يتسببان في قتل اليمنيين بشكل بطيء”، لافتاً إلى أنّ “محصول الطماطم في بعض المواسم يكون مشبعاً بالمواد السامة التي تظهر عليه بشكل واضح. ومن المفترض وجود مؤسسات رسمية لتجريم هذا الأمر ومعاقبة المزارعين والتجار الذين يسوّقون الطماطم وكل الخضروات والفواكه السامة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى