فن ومشاهير

سمير غانم… من أجل ضحكةٍ لا أكثر

في تكريم ناله عن مجمل أعماله عام 2011 (فرانس برس)

جدول المحتويات

لسنوات طويلة، لم يتم التعامل بجدية وتقدير مع الكوميديان المصري سمير غانم. كانت الحفاوة دائماً من نصيب فناني كوميديا آخرين، بينما اقترن اسم غانم بالـ”هلس” والضحك وأفلام المقاولات المصرية التجارية في الثمانينيات. لكن، من حسن الحظ أنّه مع الوقت، ومع الإنترنت، وسيطرة جيل جديد ومعطيات مختلفة عما هو سائد في الثقافة الشعبية، أصبح سمير غانم واحداً من أبرز رموز الكوميديا المُحتفى بهم في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون المصري، ورأى تقديره بعينه قبل رحيله، بعد عقود طويلة من التقليل منه.

بدأت رحلة سمير غانم من مسرح جامعة “الإسكندرية” عام 1959، حيث كان يرأس فريق التمثيل، وفاز بمسابقة “كأس الجامعات” حينها، لتلتقطه عين مخرج تلفزيوني كبير هو محمد سالم، مع فكرة ثورية غريبة لديه، وهي جمعه برئيس فريق التمثيل بجامعة “القاهرة” الضيف أحمد، ورئيس فريق التمثيل في جامعة “عين شمس” جورج سيدهم، لتكوين فريق واحد يدعى “ثلاثي أضواء المسرح” بفرضية أنّ التباين الشكلي وطبيعة الكوميديا بين الثلاثي سينجحان بين الجمهور.

نجح رهان سالم، وصار الثلاثي، غانم وسيدهم والضيف، من أهم الظواهر الفنية والثقافية في مصر خلال الستينيات، سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما، وحتى الحفلات والراديو والمناسبات الوطنية، سواء بأغانيهم أو استعراضاتهم أو تمثيلهم وأدائهم الكوميدي، كانوا موجودين في كلّ مكان خلال الستينيات. من الملفت أنّه في تلك المرحلة، كان سمير غانم هو الأقل تقديراً بين الثلاثة، إلى درجة أنّ الكاتب الساخر محمود السعدني، حين أصدر في نهاية الستينيات كتاباً عنوانه “المضحكون” عن علامات الكوميديا في مصر، قال إنّ سيدهم والضيف موهوبان بالفطرة، ويمكن لكلّ منهما أن يستمر وينجح بمفرده، بينما هاجم غانم بعنف، ووصفه بأنّه “كذاب زفة” ويحتاج للثلاثي كي يظلّ موجوداً. وهي النبوءة الظالمة التي أثبتت خطأها تماماً في الآتي من السنين.

نجوم وفن

التحديثات الحية

في عام 1970، رحل الضيف أحمد فجأة. وبعد الصدمة الكبيرة بسبب رحيل موهبة استثنائية، كان أمام سمير غانم وجورج سيدهم سؤال كبير عن الكيفية التي سيعملان بها بعد رحيل ثالثهم؟ كانت البداية من محاولة ضم ممثلين آخرين مكان الضيف، ومع فشل ذلك، بدأ غانم وسيدهم يعملان معاً كـ”ثنائي”. وفي تلك الفترة، ظهر بشكل واضح – وعلى عكس نبوءة السعدني السابقة – مدى ذكاء سمير غانم وقدرته المدهشة على الارتجال وخلق الكوميديا وتوليد الضحك من أماكن غير متوقعة تماماً. يظهر هذا الفارق بشكل واضح في مسرحيات تلك الفترة التي شارك في بطولتها مع سيدهم، مثل “موسيقى في الحي الشرقي” و”جوليو ورومييت”، عامي 1971 و1973، قبل أن يصل الفارق إلى ذروته مع مسرحية “المتزوجون” (1976)، التي أوضحت قدرات غانم وهيمنته على المسرح والجمهور، ليصبح من تلك اللحظة وبشكل نهائي نجماً كوميدياً ناجحاً بشكل منفرد، وليس جزءاً من ثلاثة أو اثنين.

تلك المرحلة هي الأطول في مسيرة غانم، استمرت من منتصف السبعينيات وحتى التسعينيات تقريباً، كانت السمة البارزة فيها هي الأعمال الكثيرة جداً (شارك مثلأً في 14 فيلماً عام 1977 وفي 11 فيلماً عام 1984). وكان محبوباً من قبل الجمهور، لكنّه غير مقدر مطلقاً من النقاد أو الفنانين الآخرين، ثم السمة الأهم المرتبطة به هو نفسه، وهي إيجاد “صوته” الشخصي وما يريد تقديمه، فكما قال مراراً (وقتها ولاحقاً) إنّ هدفه الوحيد والأساسي هو “إضحاك الناس” وإنّه لا يريد أن يحمل هماً اجتماعياً أو سياسياً، ولا أن يقدم عِبرة أخلاقية في أيّ مما يقدمه. لكنّه فقط يسعى إلى الضحك و”الانبساط”؛ سواء انبساطه الشخصي بالعمل المُكثف، من دون تفكير والارتجال الدائم في شخصياته المختلفة، أو انبساط الجمهور ورنة ضحكهم في المسرح وقاعات السينما.

لم يكن غانم يهتم في تلك المرحلة بأن يكون بطلاً أو سنيداً أو ضيف شرف، شارك في عشرات الأعمال، وأصبح بعضها من العلامات التلفزيونية والسينمائية لاحقاً؛ مثل شخصية “فطوطة” الكرتونية في الفوازير الرمضانية على مدى أعوام عدة، أو شخصية “ميزو” في المسلسل الذي يحمل الاسم نفسه (1977)، أو أفلام كوميدية استثنائية، مثل “4-2-4″ (1981)، و”تجيبها كده تجيلها كده” (1982)، و”يا رب ولد” (1984)، و”الرجل الذي عطس” (1985).

نجوم وفن

التحديثات الحية

مع نهاية الثمانينيات، وتغير شكل الإنتاج السينمائي في مصر، لم يعد غانم يعمل بالكثافة نفسها، اكتفى ببعض الأعمال التلفزيونية والمسرحية غير الناجحة.

لكنّ التغير الحقيقي في النظر إليه حدث بعد ذلك في الألفية الثالثة، سواء في بزوغ جيل جديد من الكوميديانات، أهمهم الثلاثي أحمد فهمي وهشام ماجد وشيكو، يتحدثون بكثافة عن مدى تأثرهم بسمير غانم وشكل الكوميديا التي قدمها. أو شكل الكوميديا المختلف الذي انتشر في مصر مع توفر الإنترنت، والمرتبط بمقاطع قصيرة أو صور متحركة أو “ميمز”، ليتم النظر لسمير غانم بشكل مختلف بغض النظر عن قيمة الأفلام التي شارك فيها، فالمهم وما تبقى منها لمحات شديدة العبقرية والذكاء يراها الناس منفردة، ويبدأون بالتفكير بالتالي في أسلوب الكوميديا الذي اتبعه غانم، ومزاوجته لفنون غير معروفة حينها (الـ”ستاند آب كوميدي” أو الكوميديا الحركية باستخدام الملابس مثلاً) بطريقة فريدة لا يقاربه فيها أيّ كوميديان مصري آخر.

هذا الزخم والتقدير لسمير غانم وصل لذروته في تكريمه عام 2017 في الدورة الـ39 من مهرجان القاهرة السينمائي، ليصعد حينها على المسرح ويبدي سعادته باللحظة غير المتوقعة، التي يُكرّم فيها للمرة الأولى على شيء واحد أراد فعله طوال حياته… وهو إضحاك الناس. كانت لحظة أنصفه فيها الزمن أخيراً، ومن حُسن الحظ أنّه عاشها قبل رحيله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى