صحة ورشاقة

“الفطر الأسود”… مرض غير معدٍ يقلق مصابي كوفيد-19 في الهند

هل يضطر إلى الخضوع لجراحة؟ (براثام كوغهالي/ Getty)

 

يعيش المصابون بكوفيد-19 وكذلك المتعافون منه قلقاً إضافياً اليوم، بسبب مرض الفطر الأسود الذي ظهر أخيراً في الهند المنكوبة. وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد صرّح بأنّ “لدينا الآن تحدياً جديداً ونحتاج إلى توخي الحذر”.

في الأيام الأولى من شهر مايو/ أيار الجاري، بدأ الأطباء في الهند يعبّرون عن قلقهم إزاء زيادة الإصابات بمرض فطري قاتل يؤثّر على المصابين بكوفيد-19 أو أولئك الذين تعافوا من المرض الذين ما زالوا يشكون من مناعة ضعيفة، وسط أزمة كورونا التي أدّت إلى ارتفاع عدد الوفيات في البلاد إلى أكثر من 300 ألف شخص. والحالة المهددة للحياة المعروفة باسم “الفطر الأسود” أو “فطر الغشاء المخاطي” هي نادرة نسبياً، لكنّ الأطباء يقدّرون أنّ الزيادة المفاجئة في المرض قد تزيد من تعقيد مكافحة الهند لوباء كورونا. وبحسب السلطات الصحية في الهند، وإلى جانب مرضى كورونا والذين تعافوا منه، فإنّ مرض الفطر الأسود يطاول الأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية مختلفة، من قبيل تلك المرتبطة بنقص المناعة مثل الإيدز، بالإضافة إلى داء السكري.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، تمّ الإبلاغ عن تسعة آلاف إصابة بالفطر الأسود في كلّ أنحاء الهند، وقد نُقل المئات إلى المستشفيات، في حين أدّى ذلك إلى نقص في العقار المستخدم لعلاج هذا المرض. فما هو الفطر الأسود، وما هي أسباب ظهوره في هذا الوقت بالذات، وما هي أعراضه؟ ولعلّ السؤال الأهم هو: هل يمكن علاجه؟

الفطر الأسود هو نوع من الفطريات، ينتج عن العفن الموجود في البيئات الرطبة من قبيل التربة أو المواد العضوية المتحللة أو السماد، وبإمكانه مهاجمة الجهاز التنفسي. ولا يُعَد هذا المرض معدياً، فلا ينتقل من شخص إلى آخر، علماً أنّ الفطريات التي تتسبّب به ليست من نوع واحد. وهذه الفطريات، بحسب خبراء في مجال الصحة، ليست ضارة لمعظم الناس، إنّما هي قادرة على التسبّب في التهابات خطيرة لأولئك الذين يعانون ضعفاً في جهاز المناعة، بحسب ما يفيد المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي دي سي).

وبحسب ما يشير تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية، فإنّ الفطر الأسود يؤثّر بصورة شائعة على الجيوب الأنفية والرئتَين بعد أن يستنشق شخص الخلايا الفطرية في الهواء. وفي هذا الإطار، يفيد خبراء بأنّ تلك الخلايا قد تنتشر في المستشفيات والمنازل عن طريق أجهزة ترطيب الهواء أو قوارير الأوكسجين التي تحوي مياهاً وسخة. والفطر الأسود قد يؤثّر كذلك على جلد الإنسان بعد إصابة سطحية من قبيل الجروح أو الحروق. والأعراض تتركّز على مكان نموّ الفطريات في الجسم، لكنّها قد تشمل كذلك تورّماً في الوجه وحمّى وتقرّحات في الجلد وآفات سوداء في الفم.

وكانت وزارة الصحة الهندية قد أوضحت في بيان لها، أنّ “الفطر الأسود يبدأ في الظهور على شكل مرض في الجيوب الواقعة خلف الجبهة والأنف وعظام الخدَين وبين العينَين والأسنان، ويمكن أن ينتشر إلى الدماغ”. وهو قد يؤدّي إلى تغيّر لون الأنف فيبدو أسود.

(أوما شانكار ميشرا/ فرانس برس)

من جهته، يقول الدكتور هيمانت ثاكر، الطبيب الاستشاري والمتخصص في الأمراض الاستقلابية والقلبية في مستشفى براش كاندي في مومباي، إنّ “إحدى الطرق التي ينتقل من خلالها الفطر الأسود هي غزو الأوعية الدموية، ما يجعل من الصعب على المرضى مواجهته”. يضيف أنّ “الفطر الأسود يضرّ بالدورة الدموية ويصيب عضواً من الأعضاء، فينتج ما يسمّى بالنخر أو موت الأنسجة، لذا يتحوّل لون الأعضاء إلى أسود، ومن هنا أتت تسمية هذا المرض”. ويتابع ثاكر أنّه في الحالات الشديدة، “ينتقل المرض عبر الأوعية الدموية إلى الدماغ”، وقد يؤدّي ذلك إلى فقدان البصر أو إحداث فجوة في الوجه. وإذا لم تتمّ السيطرة عليه ولم يُعالج، فقد تراوح نسبة الوفيات ما بين 20 و50 في المئة.

وقد وجدت دراسة أُعدّت في عام 2005 على 929 حالة تعود إلى عام 1885، أنّ إجمالي نسبة الوفيات بلغ 54 في المائة، وفقاً للمركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. ونسبة الوفيات تعتمد على نوع الفطريات المعنيّة وأيّ جزء من الجسم يتأثر بها. وعلى سبيل المثال، فإنّ الفطريات أقل فتكاً لدى الأشخاص المصابين بمرض الجيوب الأنفية، لكنّها أكثر فتكاً لدى الذين يعانون من التهابات رئوية.

(براثام كوغهالي/ Getty)

عند الإصابة بالفطر الأسود، يلاحظ المرء ألماً واحمراراً حول العينَين أو الأنف، مع ارتفاع في حرارة الجسم، وكذلك صداعاً وسعالاً وضيقاً في التنفّس وقيئاً دموياً وتبدّلاً في الحالة العقلية. ووفق وزارة الصحة الهندية، فإنّه في حال الاشتباه في الإصابة، يجب التأكد من أنّ الشخص المعني يعاني من التهاب في الجيوب الأنفية وانسداد أو احتقان بالأنف، وإفرازات من الأنف (سوداء أو دموية)، بالإضافة إلى ألم موضعي في عظام الوجنتَين أو في وجنة واحدة مع تنميل أو تورّم. كذلك يُسجَّل اسوداد على جسر الأنف أو الحنك، وارتخاء في الأسنان، إلى جانب عدم وضوح في الرؤية أو ازدواجها مع ألم. وقد يظهر كذلك تخثّر ونخر مع آفات جلدية، فيما يُسجَّل ألم في الصدر وتفاقم في أعراض الجهاز التنفسي.

وبحسب تقرير نشره موقع “إنديان إكسبرس” الهندي، فإنّ الجيوب الأنفية أو الرئتَين قد تتأثر بهذا النوع من الفطريات، بعد استنشاقها في الهواء. وقد لاحظ أطباء في عدد من الولايات الهندية ارتفاعاً في الإصابة بين الأشخاص الموجودين في المستشفيات أو المتعافين من كوفيد-19، وقد تطلبت معالجتهم جراحات عاجلة. أمّا صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فتناولت في تقرير أسباب المرض وأعادتها إلى زيادة في استخدام المنشطات لعلاج المرضى في المستشفيات. وأشارت إلى احتمال توفّر عامل آخر لظهور هذا المرض، وهو اكتظاظ المستشفيات بعد الموجة الثانية من وباء كورونا ولجوء عائلات عديدة إلى التداوي الذاتي وتطبيق العلاج بالأوكسجين في المنزل من دون توفّر النظافة المناسبة.

(سام بنثاكي/ فرانس برس)

وفي ما يخصّ العلاج المطلوب لمرض الفطر الأسود، فهو إمّا المضادات للفطريات على مدى أربعة أسابيع إلى ستّة كحدّ أدنى، وإمّا الجراحة في النهاية إذا لم يتعافَ المصاب. وعلى الرغم من توفّر الدواء، إلا أنّ الكميات في الهند ليست كافية. وفي تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، تضغط المحاكم على الحكومات المحلية لإتاحة الأدوية المضادة للفطريات وتضغط من أجل تكثيف التحقيقات لوقف بيع تلك الأدوية في السوق السوداء. يُذكر أنّه قبل انتشار هذا المرض، كانت كلفة قارورة مضاد الفطريات تُباع بنحو 80 دولاراً أميركياً، لكنّ أقارب مصابين أفادوا بأنّهم دفعوا ما يصل إلى 500 دولار في السوق السوداء. وفي هذا الإطار، انتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعية، تسجيل فيديو لامرأة هدّدت بالقفز من على سطح مستشفى إذا فشلت في توفير حقن الدواء لزوجها. وقد أكدت المرأة، من ولاية ماديا براديش في وسط الهند، أنّه “ليس لديّ أيّ خيار آخر”. وإزاء هذا الواقع، طالب وزير الصحة في ولاية ماهاراشترا، في غرب البلاد، راجيش توباي، في تصريح إعلامي، الحكومة المركزية بضرورة توفير الدواء، لأنّ الولاية في حاجة ماسة إلى مزيد من الإمدادات.

وفي نيودلهي، استقبلت المستشفيات 185 إصابة بالفطر الأسود أخيراً، وتعمد الحكومة المحلية إلى إنشاء ثلاثة مراكز متخصصة في داخل المستشفيات التي تديرها الحكومة لتوفير العلاج. وتؤكد رئيسة قسم علم الأعصاب في معهد “أول إنديا” للعلوم الطبية في نيودلهي، بادما سريفاستافا، أنّ “عدد الإصابات بالفطر الأسود يتزايد في كل يوم، وهو ينذر بتحوّله إلى وباء”.

(نواه سيلام/ فرانس برس)

والفطر الأسود قد يؤدّي إلى تضرر الفك العلوي وأحياناً العين، بحسب موقع “إنديان إكسبرس”. ويقول أطباء في هذا الإطار، إنّ المرضى يحتاجون إلى التعامل مع فقدان وظائفهم بسبب الضرر اللاحق بالفك، إذ إنّهم سوف يعانون من صعوبة في المضغ والبلع بالإضافة إلى تشوه الوجه وفقدان الثقة في النفس. وسواء أكانت العين أم الفك العلوي، فإنّه من الممكن استبدالهما بأعضاء صناعية مناسبة، في حين أنّه من الممكن استبدال هياكل الوجه المتضررة بأعضاء صناعية خاصة بمجرّد استقرار المريض بعد الجراحة. ومن المهمّ أن يطمئن الأطباء المرضى حول توفّر مثل هذه التدخّلات، بدلاً من تركهم في حالة ذعر من الضرر المفاجئ غير المتوقّع. وهو أمر يزيد اضطرابات ما بعد كوفيد-19 والتي تسبب الإجهاد. بالنسبة إلى الطبيب المتخصص في تركيب الأسنان وترميم الوجه والفكين، الدكتور ب. سرينيفاسان، فإنّه “من الممكن إجراء إعادة بناء الأعضاء الصناعية بعد الجراحة، لكنّ الأمر في البداية يستوجب التخطيط لإيجاد حلول مؤقتة قبل جراحة الفكين، بهدف الحصول على نتائج أفضل على المدى الطويل”.

لا بدّ للمرء من أن يتذكّر بداية أنّ الفطر الأسود مرض نادر، وأنّ ثمّة فئات من الناس أكثر عرضة من غيرها للإصابة به. ولعلّ أبرز ما يُهيّئ له هو داء السكري غير المنضبط، والتثبيط المناعي بالستيرويدات، والإقامة لفترات طويلة في وحدات العناية المركزة. وينصح الخبراء الأشخاص باستخدام الأقنعة عند زيارة مواقع البناء التي تتضمّن تربة، مع انتعال أحذية وارتداء سراويل طويلة وقمصان بأكمام طويلة، بالإضافة إلى قفازات في أثناء التعامل مع التربة (البستنة) أو الطحالب أو السماد الطبيعي. ويشدّدون على الحفاظ على النظافة الشخصية.

ويُطرح اليوم السؤال عن علاقة الفطر الأسود بفيروس كورونا الجديد. بحسب وزارة الصحة الهندية، فإنّ الأشخاص الذين يعانون نقصاً في المناعة هم الأكثر عرضة للمرض، بما في ذلك المصابون بكوفيد-19 ومرضى السكري وأولئك الذين يعانون أمراضاً مصاحبة أخرى من قبيل السرطان أو خضعوا إلى عمليات زرع أعضاء. ويرى خبراء أنّ المصابين بكوفيد-19 معرّضون للإصابة بشكل خاص، لأنّ الفيروس لا يؤثر فقط على جهاز المناعة لديهم، إنّما العلاجات التي يتلقونها قد تحدّ كذلك من استجابتهم المناعية. وبحسب منشور لها، بيّنت الوزراة أنّ المصابين بكوفيد-19 الذين يخضعون للعلاج بالأوكسجين في وحدات العناية المركزة قد يتعرّضون إلى الرطوبة، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة لهذا المرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى