تكنولوجيا

الاستخبارات الفلسطينية والتجسس عبر “فيسبوك”: للتحقيق ثم المحاسبة

تعتقد “فيسبوك” أن “دوافع سياسية” وراء العملية (محمد تلاتين/الأناضول)

يوم الأربعاء الماضي، اجتمعت إدارة “فيسبوك” مع 4 صحافيين يمثلون وسائل إعلامية مختلفة وخامس يمثل نقابة الصحافيين الفلسطينيين، لإطلاعهم على تقريرها الذي كشفت فيه أنها أغلقت حسابات يستخدمها جهاز أمن السلطة الفلسطينية للتجسس على صحافيين وناشطي حقوق الإنسان ومعارضين سياسيين، بعدما حددت إدارة فيسبوك عمليات تجسس “ذات دوافع سياسية” تقوم بها مجموعة يعتقد أن مقرها غزة وتابعة لحركة “حماس”، والأخرى لجهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية.

يأتي التقرير الذي صدر الأربعاء قبل نحو شهر من الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقرّر إجراؤها في 22 مايو/أيار المقبل حين ستتنافس خصوصاً حركة “فتح” الممثلة بالسلطة الفلسطينية ومقرها مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وحركة “حماس”، وذلك للمرة الأولى منذ 15 عاماً.

ووفقاً لتقرير”فيسبوك”، فإن جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية التي تقودها حركة “فتح”، استهدف “الصحافيين ومعارضين للحكومة وناشطي حقوق الإنسان والجماعات العسكرية الموجودة بشكل أساس في الضفة الغربية وغزة وسورية، واستهدف بدرجة أقل، الموجودين في تركيا والعراق ولبنان وليبيا”. وأشار إلى أن الجهاز استخدم “برمجيات خبيثة منخفضة التطور متخفية في شكل تطبيقات دردشة آمنة”، للتسلل إلى أجهزة “أندرويد” وجمع المعلومات منها، بما في ذلك “سجلات المكالمات والموقع وجهات الاتصال والرسائل النصية”.

كما أنشأ جهاز الأمن الوقائي تطبيقاً زائفاً دُعي الصحافيون لتقديم “مقالات متعلقة بحقوق الإنسان للنشر” عليه. أشار التقرير أيضاً إلى ما أسماه “عمليات التجسس السيبراني التي ترعاها الدولة” التي يعتقد أن “دوافعها سياسية”، وتقوم بها مجموعة “أريد فايبر”. وأفادت “فيسبوك” بأن “أريد فايبر” لم تستهدف الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة، بل فلسطينيين من ضمنهم “أفراد مرتبطون بجماعات مؤيدة لحركة (فتح) ومنظمات حكومية فلسطينية وعناصر عسكرية وأمنية ومجموعات طلابية داخل فلسطين”.

استهدف جهاز الأمن الوقائي حسابات في الضفة الغربية وغزة وسورية، واستهدف بدرجة أقل حسابات في تركيا والعراق ولبنان وليبيا

ويقول ثائر فاخوري، وهو أحد الصحافيين المتعاونين مع قسم الشراكات الإعلامية لـ”فيسبوك” في الشرق الأوسط، إن ناشطين وصحافيين كانوا يتوجهون إليه منذ عامين، للشكوى بشأن “فيسبوك” ورقابتها على صفحاتهم وانحيازها للاحتلال الإسرائيلي، لكن اجتماع الأربعاء بيّن أن تلك الصفحات كانت مخترقة من جهة فلسطينية.

ويفيد فاخوري، لـ”العربي الجديد”، بأن القراصنة كانوا يغيرون حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بالصفحات بعد اختراقها. ويوضح أن الأشخاص الأكثر استهدافاً في عملية القرصنة والتجسس هم من الصحافيين والناشطين على مواقع التواصل والاجتماعي وحقوقيين يدافعون عن معتقلين على خلفية آرائهم السياسية وعن حقوق الإنسان. ويشير إلى أن جلُّ أولئك المخترقة حساباتهم هم من المعارضين للسلطة الفلسطينية، وبعضهم من المحسوبين على حركة “فتح” والأجهزة الأمنية.

الاختراقات سببت أخيراً مشاكل تقنية في تطبيق “ماسينجر” التابع لـ”فيسبوك”، في الشرق الأوسط. ووفقاً لفاخوري، فإن تطبيقات الاختراق التي يستخدمها القراصنة بدائية، وبعضهم استخدم تقنيات حديثة مثل “الأفعى القلاعية”. تلك التطبيقات توزع من خلال الترويج عبر الإنترنت لروابط معينة، وبعد الضغط عليها وتحميلها يصبح الجهاز مخترقاً.

مجدولين حسونة من الصحافيين الذين اخترقت حساباتهم. وتقول لـ”العربي الجديد” إنها عام 2019 فوجئت بعدم قدرتها على الولوج إلى حسابها على موقع “فيسبوك”، فاضطرت إلى إنشاء حساب آخر بالاسم نفسه، ليحذف أيضاً بعد نحو أربع ساعات. ظنت حسونة حينها أن ما يحصل استهداف من شركة “فيسبوك” نفسها التي لم تتوان عن الانحياز للاحتلال الإسرائيلي، عن طريق “معايير” ليست إلا خوارزميات تلاحق المتحدثين عن القضية والمقاومة الفلسطينية، في محاولة لتغييب الرواية الفلسطينية والتعتيم على جرائم الاحتلال.

وبعد تواصلها بالطرق كافة مع إدارة الشركة، تبين لحسونة أن حسابها اخترقه قراصنة غيروا عنوان البريد الإلكتروني وعطلوه. وبعد سلسلة مراسلات بينها وبين “فيسبوك”، تمكنت قبل نحو شهرين من استعادة حسابها. ترى حسونة أن ما كشف الأربعاء حول مسؤولية الأمن الفلسطيني عن قرصنة تلك الحسابات مسألة “خطيرة جداً”، و”جزء من سياسة تكميم الأفواه التي تتبعها السلطة الفلسطينية ضد الناشطين والمعارضين”. وتقول “كان الأجدر بالسلطة تقبل آراء الجميع وإيقاف تلك الهجمات، لأن الصحافيين ليسوا ضد أحد، بل واجبهم إعلاء صوت الوطن ومساعدة الآخرين”.

لاقت الواقعة بشأن ما كشف عنه “فيسبوك” ردوداً واستنكاراً، وسط مطالبات بضرورة فتح تحقيق بما جرى ومحاسبة المتورطين، لما يشكله ذلك من تهديد للسلم الأهلي وعلى واقع الحريات العامة الفلسطينية.

وفي ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذها الصحافيون بعد الاجتماع، يقول الصحافي ثائر فاخوري: “أبلغنا المؤسسات الإعلامية ووسائل الإعلام بما جرى وكذلك مؤسسات حقوق الإنسان، وقدمنا شكوى رسمية للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ونحن نطالب النائب العام الفلسطيني والحكومة الفلسطينية بفتح تحقيق شفاف، لأن ذلك يقود للابتزاز والفضائح، ولا يجوز أن نستهين به، لأنه ينتهك خصوصية المواطنين ويهدد السلم الأهلي، وأنا أستغرب من وصول تدخل الأجهزة الأمنية إلى دول أخرى، كسورية والعراق وتركيا وليبيا”.

وأعلنت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم الفلسطيني”، في بيان لها، أنها “تنظر بخطورة بالغة لما ورد في بيان شركة (فيسبوك)، نظراً لما يشكله من تهديد خطير لحق المواطنين الطبيعي في الخصوصية وحرمة حياتهم الخاصة، والذي كفله القانون الأساسي الفلسطيني واعتبر الاعتداء عليه جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم”. وطالبت الهيئة الحكومة الفلسطينية والنائب العام لدولة فلسطين بإجراء تحقيق شفاف.

مركز “صدى سوشال” للدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية وصف، في بيان صحافي، ما أعلنته “فيسبوك” بأنه أمر بالغ الخطورة، مطالباً إياها بالكشف عن تفاصيل أكثر، والتواصل مع المتضررين لتصويب أمورهم وتعويضهم عن أي أضرار متوقعة. ودعا مستخدمي الإنترنت للحرص الشديد أثناء مشاركتهم أي بيانات في هذا الفضاء. وطالب المركز النائب العام الفلسطيني بسرعة التحقيق، وإعلان نتائجه، ومحاسبة أي متورط في عملية القرصنة والتجسس الإلكتروني بشكل مخالف للقانون.

وحاول “العربي الجديد” الحصول على تعقيب من النائب العام الفلسطيني الذي وجهنا إلى وحدة الإعلام في مكتبه حيث بعثنا أسئلة مكتوبة لهم بناء على طلبهم. ووعدوا بالإجابة عن تساؤلات “العربي الجديد” يوم الأحد المقبل.

وعد مكتب النائب العام الفلسطيني بالرد على تساؤلات “العربي الجديد” يوم الأحد

أما “الائتلاف الأهلي للحقوق الرقمية الفلسطينية” فدعا، في بيان له، “فيسبوك” إلى ضرورة تقييم خطورة البيانات التي تم الوصول إليها، والعمل على معالجة أي أضرار ألحقت بحسابات وأجهزة ضحايا الاختراق. كما طالب النائب العام بفتح تحقيق جدي وموسع في هذه الجريمة وتقديم كافة المتورطين فيها، بمن فيهم التقنيون والمسؤولون عنها على حد سواء، للعدالة، فيما حث الحكومة في الضفة الغربية وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة على العمل بشكل فوري وعاجل على تقصي الوقائع والتحقيق في ما حدث.

وأكد الائتلاف أن هذه الهجمات تعتبر “انتهاكاً صارخاً للحقوق الرقمية الفلسطينية عامة، وتعدياً على الحق في الخصوصية وحماية البيانات خاصة، وتضييقا وملاحقة غير مشروعة للناشطين والصحافيين وغيرهم من المدافعين عن حقوق الإنسان، وبالتالي اعتداء على الحق في حرية الرأي والتعبير، خاصة في ظل الانتخابات المرتقبة، وهي مؤشر خطير لما يمكن أن يؤثر على نزاهة الانتخابات عبر الفضاء الرقمي، ومزيداً من الانزلاق نحو الدولة البوليسية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى