صحة ورشاقة

الصحة النفسية ليست أولوية في سورية

علّ هواية تربية الحمام تخفف من همومه (دليل سليمان/ فرانس برس)

تسبّبت الحرب في سورية باضطرابات نفسية كثيرة لدى عدد كبير من المواطنين، من دون أن يحظى هؤلاء بالمساعدة الكافية واللازمة

شعر أسعد عكة (47 عاماً) بخوف شديد عقب قصف طائرات قوات النظام السوري مدينته سرمين في ريف إدلب شمال غرب البلاد عام 2020. ظنّ أقاربه أن خوفه مؤقّت، لكن حالة الخوف لديه استمرّت، حتى بات يخشى أي صوت مرتفع، ويلجأ إلى العزلة، وخسر من وزنه بشكل مفاجئ نحو ثلاثين كيلو. لاحقاً، زار برفقة عائلته العديد من الأطباء الذين وصفوا له المهدئات، إلا أنها لم تساعده على الخروج من الحالة التي أصابته ولازمته أكثر من عام.
يقول محمد عكة، شقيق أسعد، لـ “العربي الجديد”: “أصبح شقيقي يخاف زيارة الأطباء لأن حالته لم تشهد أي تحسن، وكان في كل زيارة يعطى دواء جديداً، ما جعله يكره تلك الزيارات. كان يقول لنا: ما الفائدة إذا كان الطبيب الجديد سيعطيني دواءً مختلفاً فقط”.

في هذا السياق، يقول المسؤول الإقليمي لبرنامج الصحة النفسية في اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الصحية في الشمال السوري، علاء العلي، لـ “العربي الجديد”، إنه خلال الآونة الأخيرة زادت أعداد مراجعي العيادات النفسية بسبب تداعيات الحرب. ومعظم هؤلاء يعانون من القلق واضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والذهان، وذلك نتيجة الضغوط النفسية المتراكمة، والوضعين الاقتصادي والاجتماعي. ويشير إلى أن العلاجات المتوفرة جيدة نوعاً ما.
يضيف العلي أن “سبب كثرة هذه الحالات هو التأخر في مراجعة الأطباء والمراكز المتخصصة، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقمها، وذلك يعود إلى الوصمة التي يطلقها المجتمع على مراجعي مثل هذه المراكز، ما يضطر البعض للجوء إلى علاجات بدائية قد تفاقم الحالة سوءاً. كذلك، ما من اهتمام من قبل أقرباء المريض، ما يؤدي إلى انتكاسة البعض مجدداً بعد تلقيهم العلاج. ولذلك ارتباط بالوضعين الاجتماعي والاقتصادي للعائلات، وتكرّر موجات النزوح وعدم الاستقرار والأوضاع الأمنية المتردية”.
من جهته، يقول طبيب الأمراض النفسية في مركز الصحة النفسية في مدينة سرمدا أحمد العثمان، لـ “العربي الجديد”: “إهمال الاهتمام بالصحة النفسية يعود إلى الخوف من الوصمة الاجتماعية، وتأثير زيارة الطبيب النفسي على أهلية المريض في الزواج والعمل والحياة الاجتماعية. كما يرفض البعض تلك الزيارات خوفاً من الأدوية التي يعتقدون أنها قد تسبب الإدمان. وقد يراجع كثيرون مشعوذين يفسّرون هذه الأمراض بشكل خاطئ. يضاف إلى ما سبق ضعف الخدمات الصحية ونقص الكوادر في الشمال السوري”.

النزوح يفاقم الضغوط (عارف وتد/ فرانس برس)

إلى ذلك، تقول الاختصاصية النفسية والتربوية ومستشارة الدعم النفسي والاجتماعي رزان عبيد، لـ “العربي الجديد”: “الحروب تعد الأشد فتكاً لناحية تدمير التوازن النفسي للبالغين والأطفال على وجه التحديد، وتختلف الاستجابة النفسية للأشخاص الذين يواجهون الحرب بناء على اختلاف العوامل الداخلية والخارجية. ومن العوامل التي ينبغي أخذها في الاعتبار مدى شدة الصدمة ومدة التعرض لها وتكرارها. وبناء على هذه العوامل المختلفة، ربما يعاني بعض الناس من توتر حاد، وقد يتعافون بسرعة. أما البعض الآخر، فقد يعاني من اضطرابات أكبر، خصوصاً أولئك الذين عانوا من صدمات وضغوط سابقة”. 
وبحسب عبيد، فإن الدراسات التي أجريت على السكان في العديد من مناطق النزاع على مر السنوات أظهرت زيادة ملحوظة في نسبة الاضطرابات النفسية. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن واحداً من كل خمسة أشخاص في مناطق الحرب يعاني من اضطرابات نفسية، أبرزها القلق والفوبيا والاكتئاب والهستيريا والعصاب والأمراض النفسية الجسمية، كقرحة المعدة وفقدان الشهية العصبي وأمراض القلب والأوعية الدموية.

وتشير إلى أن علاج هذه الأمراض يكمن في إعادة التأهيل النفسي للفرد. وهدف العلاج هو تخفيف المعاناة النفسية بعد مواقف الحرب العصيبة التي تفوق طاقة الاحتمال المعتادة، وإعادة تأهيل المصابين وإعدادهم نفسياً لمواصلة أداء مسؤولياتهم.
وتلفت عبيد إلى أن دور العلاج النفسي يستمر عقب الأزمة بهدف التخلص من الآثار النفسية للحرب على المجتمع. وأثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين عاشوا الحرب أو النزوح من بلادهم هم أكثر عرضة للإصابة بحالات الاكتئاب والصدمات النفسية. لذلك، فإن فدور القطاع الطبي كبير جداً، مع ضرورة الاستعانة بالأطباء النفسيين والاختصاصيين المؤهلين والمدربين مهنياً. وللمجتمع المحلي الدور الكبير في دعم وإعادة تأهيل المريض من خلال المشاركة الجماعية.  

وفي أغسطس/ آب الماضي، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية منصة “الدعم النفسي والاجتماعي” (فضفضة) عبر الإنترنت، والتي توفر الدعم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مع ضمان السرية، وهي متاحة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق التي يصعب الوصول إليها. ويمكن للأفراد التواصل من دون الكشف عن هوياتهم، وترك وصف موجز للمشكلات التي يواجهونها. وتضم المنصّة 26 اختصاصياً، من بينهم أطباء نفسيون ومعالجون نفسيون وعلماء اجتماع ومعالجو النطق وآخرون يعملون على مدار الساعة لمدة ستة أيام في الأسبوع.                                                            

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى