صحة ورشاقة

“مسعفٌ في كل بيت”… حملة للدفاع المدني شمالي سورية

يُعتبر الجهاز الطبي في سورية من أكثر الأجهزة التي تضرّرت خلال سنوات الحرب، وهذا عائد إلى اعتقال قوات النظام الأطباء والمسعفين، واستهداف طائراتها والطائرات الروسية المستشفيات والمراكز الصحية، إضافة إلى الهجرة التي نتجت عن تردي الظروف المعيشية وطول سنوات الصراع.

كلّ هذه الأسباب أدّت إلى نقص كبير في العاملين في هذا المجال، وزاد من الأمور حدّة، توقّف المؤسسات التعليمية المعتمدة، التي كانت تعمل على إعداد العاملين الطبيين، عن التعليم، شمالي سورية.

وبسبب الصراع، تكثر حوادث الإصابة والانفجارات، التي يصعب على الفرق الطبية والإسعافية الوصول إليها بشكل سريع. وقد شهدت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، شمالي البلاد، حوادث كثيرة، مثل انفجار مخلّفات القصف أو إطلاق نيران عن طريق الخطأ، كان يموت فيها المصابون أو تتعرّض أعضاء في أجسامهم للتلف بسبب تأخّر الخدمات الطبية، أو التعامل مع تلك الإصابات من غير المختصّين.

وفي محاولة منها لوضع حدّ لهذه المشكلة، أطلقت المراكز النسائية التابعة لـ”الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، حملة تحت اسم “مسعف في كلّ بيت”، بهدف تعويض النقص الحاصل في الكوادر الطبية، التي استنزفتها الحرب وانتشار فيروس كورونا. وهي تهدف أيضاً إلى رفع مستوى النساء وبخاصة في المخيمات، وتحضيرهن  للاستجابة للإسعافات المنقذة للحياة، كي يكون في كلّ بيت مسعف، قادر على التعامل مع الحالات الطارئة الإسعافية بمهارة، تضمن وصول الشخص المصاب لأيادٍ مختصّة، أو إجراء إسعافات أولية تضمن وصوله إلى المستشفيات بطريقة سليمة.

ويقول المسؤول الإعلامي في الدفاع المدني، أيمن عقّاد، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنّ “مراكز الدفاع المدني النسائية البالغ عددها 33، تخطّط لتدريب 990 سيدة من ربّات المنازل. وهي ستنظم ورشات تدريبية، تستمرّ كلّ ورشة منها لمدة خمسة أيام، وتحضرها 15 سيدة. تشمل محاور الورشات، تعريف المتدرّبات بمفهوم الإسعافات الأولية، والعلامات الحيوية، وكيفية استخدام جهاز قياس الأكسجة والإرذاذ، وطريقة التعامل مع جرّة الأوكسجين في المنزل، وتحرير مجرى الهواء، وتدابير النزيف والكسور والحروق، وتدبيرات الصرع والتسمّم. وهذه محاور مهمة جداً، تحتاج النساء لمعرفتها كي يكنّ قادرات على التعامل مع ما يحدث في منازلهن أو خيامهن ولأفراد أسرهن والقريبين منهنّ”.

وأشار إلى أنّ مدرّبات مختصّات من الخوذ البيضاء، يشرفن على الحملة، وسيشمل التدريب جلسات نظرية وأخرى عملية، إضافة إلى توزيع حقائب إسعافية مجهّزة بأهم المعدات الطبية المستخدمة في العملية الإسعافية، على المستفيدات اللواتي سيلتزمن بكامل نشاطات الورشة.

ولفت إلى أنّ فرق الدفاع المدني، كثّفت خلال الفترة الماضية، جولات وجلسات التوعية للمدنيين، ولاسيما التوعية حول طرق الوقاية من فيروس كورونا، كما نظّمت دورتين للإسعاف الأولي في مدينة إدلب وريفها شمال غربي سورية، تضمنّتا دروساً نظرية وتطبيقات عملية عن مبادئ الإسعاف الأولي، ومعلومات حول أمراض الضغط والسكري وكيفية قياس النبض والحرارة.

وتقول الطبيبة ومنسّقة مراكز النساء التابعة للدفاع المدني، زهرة الدياب، لـ”العربي الجديد” إنّ الحملة انطلقت مطلع شهر فبراير / شباط الجاري، وستستمرّ حتى نهاية مارس / آذار المقبل، والمدرّبات هنّ من طالبات التمريض، والمادة العلمية التي يتم تدريسها مجهّزة من قبل مشرفات في المراكز النسائية.

وأضافت أنّ أهمية هذه الحملة تأتي من ضرورة بناء قدرات نساء المجتمع المحلّي، ورفع مستوى الوعي لديهن لإجراء إسعافات أولية لأسرهنّ، في حال التعرّض لأي حادث مفاجئ، إذ يُعتبر التدبير الإسعافي الأولي منقذاً للحياة، في حال تمّ في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة.

كما أشارت إلى أنّ الحملة ستشمل جميع مناطق الشمال السوري، وأكّدت أنّ تنظيمها في هذه الفترة يعتبر تحدياً، لأنه جاء بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا، لكنّ المشرفين عليها لم يغفلوا عن هذه الناحية وقسّموا المتدربات إلى مجموعات صغيرة، وراعوا التباعد الجسدي والإجراءات الوقائية.

دونا، كما تعرّف عن نفسها، سيدة مقيمة في مخيم براعم كفرزيتا قرب مدينة أطمة، شمالي إدلب، وهي إحدى المتدرّبات اللواتي التحقن بالحملة. تقول دونا لـ”العربي الجديد”، إنّ التدريب كان مفيداً، وأجرت خلاله المتدرّبات فحوصات عملية، وتعلّمن طرق إجراء الإسعافات الأولية لكافة الإصابات والحالات.

وتضيف أنّ “المدرّبات ركّزن على التعامل مع مرضى الضغط والسكري، لأنّ التعامل معهم  معقد، ولا يمكن لغير الأطباء القيام بذلك”. وبعد انتهاء التدريب طبّقت المتدرّبات هذه الفحوصات السريعة عملياً، واستخدمن جهاز قياس سكر الدم وجهازي الأكسجة والإرذاذ.

وتأسّس الدفاع المدني أواخر عام 2012 كفرق من المتطوعين بهدف الاستجابة للقصف الجوي على الأحياء وبسبب سحب الخدمات الحكومية الأساسية مثل الإطفاء والرعاية الصحية، وخدمات الطوارئ.

وتتألّف فرقه من نحو ثلاثة آلاف متطوعة ومتطوع، ينشطون في المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام، شمالي سورية، وكان لهم دور بارز في إنقاذ المدنيين من الهجمات التي شنّتها قوات النظام وروسيا خلال السنوات الثماني الماضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى