صحة ورشاقة

الأطباء النفسيون يحتجون في فرنسا ضد تهميش الدولة لمهنتهم

رفض نحو 400 طبيب تعدي السلطات على حقوقهم المهنية (ألاتين دوغرو/الأناضول)

شهد محيط وزارة الصحة الفرنسية في العاشر من يونيو/حزيران الحالي، تظاهرة حاشدة لأطباء ومعالجين نفسيين من مختلف الفئات والنقابات الفرنسية، بسبب قرارات اتخذتها السلطات تتعلق بآليات تنظيم عملهم، وآليات تعويضاتهم المادية، إضافة إلى تحديدها تكاليف الكشف الصحي. ولا يرى أصحاب الشأن من الأطباء والخبراء النفسيين، أنّ هذه القرارات منصفة بحقهم، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة “لوموند الفرنسية”.

حمل نحو 400 طبيب فرنسي، لافتات كُتب عليها “ليست رخيصة ولا خاضعة” للتلويح برفضهم لما تحاول السلطات القيام به من تعد على حقوقهم المهنية، بحسب تعبيرهم. المناطق الإقليمية الفرنسية الأخرى، شهدت على غرار العاصمة أيضاً، احتجاجات مماثلة، رفضت بشكل قطعي تدخل السلطة، الأمر الذي استدعى تدخل الشرطة في بعض المناطق والمدن.

الرسالة التي حملها الأطباء، استنكرت بوضوح القرارات الأخيرة المعدّلة في الأشهر الماضية، والمتعلّقة بشكل رئيسي بكيفية زيارة الأطباء النفسيين، بحيث جعلت زيارتهم مربوطة بالطبيب العام أولاً، إذ هو المخوّل بوصف جلسات الطب النفسي، على ألا تتعدى الجلسة مدة 30 دقيقة، وألا تتعدى التكاليف 22 يورو، وفي حال احتاج المريض إلى أكثر من 10 جلسات، عليه مراجعة الطبيب العام مرة أخرى.

مطالبات للتغيير

طالب الأطباء في تظاهرة، أمس الخميس، تغيير هذه الآلية، وفي حديث مع صحيفة “لو موند”، اعتبر الأطباء أنّ هذه الآلية تعتريها الكثير من العقبات، على اعتبار أنّ مدة الجلسة المحددة بنحو 30 دقيقة، لا تكفي لعلاج حالات الاكتئاب، أو اضطرابات القلق، أو غيرها من المشاكل النفسية، كما أنّ بعض الأطباء يستغرق ربما 30 دقيقة للتعرّف على المريض قبل أن تبدأ الجلسة، فيما تحتاج بعض الحالات المرضية الخضوع لجلسات تفوق مدتها الساعة، ما يجعل فكرة ربط الجلسة بمدة زمنية تصل إلى 30 دقيقة أمراً غير منطقي. أضف إلى ذلك، ووفق الأطباء، أنّ التسعيرة المحددة بـ 22 يورو قد تكون غير عادلة، على اعتبار أنّه هناك مصاريف كثيرة يتكبّدها الطبيب النفسي، من إيجار العيادة، وشراء المعدات، إلى الانتساب إلى دورات جديدة، وبالمحصلة قد لا يبقى من مبلغ 22 يورو أكثر من 7 يورو كربح صافٍ له.

من جهة أخرى، يرى المعالجون أنّ فكرة ذهاب المريض إلى الطبيب العام لشرح احتياجاته، قد تعرّضه للأذى النفسي، أو حتى الإحراج، ما يمنع ربما الكثير من المرضى من زيارة الطبيب، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم أوضاعهم النفسية، لأنّ مجرد وجود طرف ثالث قد يكون له نتائج عكسية.

في إبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن حزمة إجراءات تطاول تنظيم هذه المهنة، منها تحديد مدّة الجلسات وحصرها بنحو 10 فقط، في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 22 في المائة من الفرنسيين من أوضاع نفسية صعبة، بسبب تأثيرات فيروس كورونا.

أحد الأطباء خلال الاحتجاج، وصف قرارات ماكرون “بقسيمة هدايا”، وهو أمر يتنافى مع أهمية الصحة النفسية للفرنسيين. ورأى أنّ “الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والمخاطر التي تحيط بالمواطنين، تترك أثرها على الصحة النفسية، ما يعني أنّ الحاجة إلى المعالجين للخروج من هذه الأزمة، أمر هام جداً، لا بل حتى ضروري، وعلى الدولة إيلاء الاهتمام بهذا القطاع، بدلاً من تهميشه”.

ووفق الطبيب النفسي، كميل موهوريك فايدي، “فإنّ الدولة تفعل ذلك بشكل سيئ للغاية، لأنّ كل هذه القرارات صدرت دون استشارة علماء النفس”، ويقول: “نحن كأطباء وصلتنا هذه القرارات من خلال وسائل الإعلام، ولم يتم أخذ رأينا على الإطلاق”.

مطالب أساسية

خلال التظاهرة، طالب المعالجون النفسيون السلطات الفرنسية بضرورة احترام قانون عام 1985، الذي يضمن استقلالية علماء النفس وتعدد أساليبهم وممارساتهم. كما طالب بالاعتراف بأخلاقياتهم ومدونة قواعد السلوك الخاصة بهم، التي تم تطويرها وتحديثها باستمرار من قبل 21 منظمة ونقابة لعلماء النفس في فرنسا، والتي يهددها القانون المقترح لإنشاء نقابة علماء النفس.

ووفق الأطباء، فإنّ الدولة، صمّت آذانها، مرة جديدة، تجاه مطالب طاقم التمريض، وتقدمت في ميولها النيوليبرالية في تحدٍ لواقع ممارسة المهنة. ومن هنا، استنكرت منظمات علماء النفس المقترحات التي تسعى إلى وضع الربحية في الصميم، على حساب التضحية بصحة السكان. وبهذا المعنى، يطالب علماء النفس أن يقرروا بمحض إرادتهم مهنتهم بما يتماشى ومصالحهم ومصالح مرضاهم، معتبرين أنّ ما تسعى الدولة إليه، يجعلهم غير مستقرين، ويؤثر على قطاع صحي وحيوي في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى