فن ومشاهير

“كابوس أينشتاين”… جديد المسرحي التونسي أنور الشعافي

في جديده “كابوس أينشتاين” (نص كمال العيادي)، يغوص المسرحي التونسي أنور الشعافي في عوالم مختلفة، مترابطة ومفكّكة في آنٍ واحد، محورها الإنسان. تتداخل الأزمنة عبر كابوس أينشتاين (بشير الغرياني)، في سفره عبر آلة الزمن، التي تعود به إلى عهد الجاهلية، فيلتقي حباب وعلقمة وشخصيات أخرى، ويجد نفسه في مأزقٍ، يتمثّل بعلاقة الإنسان بوسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، وما أنتجته من هشاشة الروابط الإنسانية، وتفاهة الفعل، وتهديد العيش المشترك، مقابل تنامي القلق والفراغ والاستنساخ والمعاناة والرغبة والإثارة.

في تصريحٍ له إلى “العربي الجديد”، يقول الشعافي عن عمله هذا، وعن تعاونه مع العيادي: “درسنا معاً في فترة واحدة، في المعهد العالي للفن المسرحي، ولم نلتقِ بعدها. تابع دراسته في بلد تشيخوف، ثمّ استقرّ في موطن بريشت. التقينا مُجدّداً بعد أكثر من ثلاثين عاماً، فنشأت رغبة متبادلة في عملٍ مشترك، ثم أهداني نصّ “كابوس أينشتاين”، وحبر طباعته لم يجفّ بعد”. يضيف الشعافي أنّ العيادي “كاتبٌ مُشاكس للحرف، ومُثير للخصومات الأدبية، وأنّ خياله شاهق، ويملك أسرار اللغة واستعاراتها. أغراني موضوع المسرحية، والرغبة في إخراج عملٍ يبدأ بإغواء فمجادلة، ثم تصوّر ورؤية، فكتابة ثانية مع فريق العمل، لأنّ المسرح فنٌّ جماعي، يتكوّن من مفردات عدّة، ويصنعه عديدون”.

الشعافي: مسرح النمطية المُستَنْسخ لا يُغري إلا المُقلّدين

عملٌ دعمه الشعافي بأدوات إخراجية، وتيمات سينوغرافية، من إضاءة خافتة فقوية، وحضور رقصات ووصلات غنائية، ثم تعبيرات جسدية بإيحاءات مُكثّفة، وشذرات زمانية ومكانية، وحوارات. هناك أيضاً ما يحمله العمل من كوميديا سوداء، ما يُساهم في رسم صورة الإنسان المعاصر، التي تجتمع فيه مسارات الأزمنة وتناقضاتها، في عصر التكنولوجيا. يقول الشعافي عن هذا الخليط المتنوّع: “منذ نشأته في أثينا، كان المسرح خليطاً من الأنواع. كان الممثلون يلعبون شخصياتهم على الركح، والراقصون والمنشدون موجودون على الأوركسترا (الدائرة التي تفصل المدارج عن الركح)، فكانت المسرحية الإغريقية عبارة عن تتابعٍ بين هذا وذاك (بين الـ”ستازيمون” والـ”إيبيزود”). في فترة لاحقة، ظهرت الأوبرا، كخليطٍ من تمثيل ورقص وغناء، وانسحب هذا على المسرح المُعاصر”، مُضيفاً أنّ المسرح، بالنسبة إليه، “حركة و صورة، وعدا عن ذلك يكون أدباً. للحركة والصورة مضمونٌ أعمق وأشمل، تُصبح فيه الكلمة قاصرة عن التعبير. المسرح الآن خليطٌ من كلّ هذا، في عصر العين والتواصل الآنيّ والسريع”.

عصرٌ ترجمه المخرج على خشبة الركح، مُقتصداً في اللغة، وفاتحاً باب الدخول إلى أوجاع البشرية، رغم حضور الكوميديا، التي كانت في تجلياتها السوداء، خاصّة مع نشوب خلافٍ بين قبيلتين في الجاهلية، لأن منتمياً إلى إحداهما وضع “علامة جام” لإحدى فتيات القبيلة الأخرى. كلّ هذا اختزله الشعافي بتكثيف الإيحاءات والرموز، كأنّها مغامرة إخراجية لشذراتٍ متنوّعة عن اختلاف حالات الإنسان. يؤكّد الشعافي، في هذا الإطار، أنّ “مسرح النمطية المُستَنْسخ بعضه من بعض لا يُغري إلا المُقلّدين، فاقدي الجرأة الفنية. أمّا خلط الأنواع، فيستدعي تمكّناً من أدواتها، ووعياً بجمالياتها، فلا تُوَظّف مجانياً أو اعتباطياً.

يعرف متابعو التجارب المسرحية العالمية، أنّه فنٌّ مُتجدّد ومنفتح بطبعه”. يُضيف أنّ “العرض المسرحي يشهد ـ منذ ظهور ما بعد الدراميّ، مع ليمان، عام 1999، على مدى العشرية الأخيرة أيضاً ـ اتجاهَين رئيسيين في المسارح العالمية، يُمكن اعتبارهما إرثاً لما بعد الدراميّ، إذْ ظهرت في بداية الألفية الأخيرة “كتابة الركح” (L’ecriture du plateau)، وهذه ليست “الكتابة الركحية”، كما يُحدّدها برونو تايكلز (Bruno Tackels)، التي تعتمد كتابةً شاملة لكلّ مفردات العرض، سينوغرافية أو حركية أو متعدّدة التخصّصات، كما ظهر مفهوم “الدراما الجديدة” مع أعمال فالك ريختر (Falk Richter) وأنجا هيلّينغ (Anja Hilling)”.

كتابة شاملة لمفردات العمل، مؤثّثة منذ البداية فوق الركح، في لوحةٍ لأينشتاين الساخر، وإلى جانبه مربّعات سوداء وبيضاء، كأنّها إعلانٌ عن تحطيم هيبة الذات في زمن التكنولوجيا، وتأكيدٌ لشروخ الأزمنة، إذْ يعتبر أنور الشعافي أنّه أراد أنْ تكون تلك المربّعات “إشارة إلى الثقوب الزمنية”، مُشيراً إلى أنّها تُسمّى أيضاً “جسر أينشتاين”، وهذه خاصية طوبوغرافية افتراضية، مؤلّفة من “الزمكان”، المعطى الذي يبني العالِم عليه نظريته عن النسبية العامة”، مُنهياً كلامه بالقول إنّ “التكنولوجيا فعلياً فَسْخٌ للذات، وتدميرٌ للعلاقات الإنسانية، كما يقول أينشتاين في نهاية المسرحية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى