فن ومشاهير

زكي طليمات… أكثر من مجرّد آرثر

إذا كان يوسف وهبي أعطى للمسرح الفن، فإن طليمات أعطاه العلم (فيسبوك)

يعرف الجمهور العربي الفنان زكي طليمات (1894 ــ 1982) عبر أدور قليلة باعتباره ممثلاً مساعداً، خاصة دور “آرثر” في فيلم “الناصر صلاح الدين” (1963). وقد تحوّلت إحدى عباراته في ذلك الفيلم إلى ثيمة مشهورة: “في ليلة أقل جمالاً من ليلتنا ستأتين زاحفة إلى خيمتي يا فرجينيا”.

لكن الحقيقة التاريخية والفنية أن زكي طليمات كان أكثر من مجرد “آرثر”، فقد كان رائداً للمسرح العربي حين وضع أسسه العلمية في عدد من البلدان العربية، مستفيداً من ثقافته الواسعة وخبرته العريضة بالمسرح وفنون الأداء. إذ كانت رحلته الفنية مؤسسة على مقولته: “تأمل مسرح شعب من الشعوب لتعرف مدى شوط الحضارة الذي قطعه”.

مكانته الفنية

يمكن الوقوف على مكانة هذا الفنان الكبير من خلال أصدقائه وتلامذته في الفن؛ فصديقه الموسيقار محمد عبد الوهاب يضعه إلى جوار يوسف وهبي بوصفهما رائدين لفن المسرح العربي، فإذا كان يوسف وهبي أعطى للمسرح الفن، فإن طليمات أعطاه العلم. وكذلك قال شكري سرحان: إن يوسف وهبي وزكي طليمات مجذفان لسفينة المسرح العربي. أما سميحة أيوب فقالت إنه “صاحب مدرسة لن ينكرها أحد ممن تربوا على يديه. علمنا معنى عشق المسرح.” بينما ذكرته زهرة العلا فقالت: “لولا زكي طليمات، ما كان طريق الفن قد رُصف هكذا وسار فوقه المئات”. وقالت فاتن حمامة: إن زكي طليمات جعلنا نرضع الفن في صبانا”.

وتعترف الفنانة الكويتية سعاد العبد الله بأنه إذا كان في الكويت مسرح، فإن زكي طليمات قد بذر بذوره في أرضها وحضن كل هذه المواهب.

الاسم الغريب

ولد طليمات في 29 إبريل/ نيسان عام 1894 في “حي عابدين” في القاهرة، لأب ذي أصول سورية وأم مصرية من أصول شركسية. وللقب عائلته الغريب “طليمات” أكثر من سياق في رحلته مع الفن، فقد صوّبه يوسف وهبي وذكر أن أصله “تليمات” بالتاء. وفي لقائه الأول مع روز اليوسف، التي تزوجها لاحقاً، سألته بفكاهة: “طيب اسم زكي مفهوم، أمال سي طليمات دا يبقى إيه”؟ فأجابها: “يبقى اسم مش فزورة”!

التحق بمعهد التربية بعدما حصل على البكالوريا من الخديوية الثانوية، ثم رحل إلى باريس ضمن بعثة لدراسة فن التمثيل، عاد منها حاملاً دبلوماً في الإلقاء والأداء وشهادة في الإخراج. وبعد عودته، عمل مراقباً للمسرح المدرسي من 1937 إلى 1952، ثم مديراً للمسرح القومي من 1942 إلى 1952، ثم مؤسساً وعميداً لمعهد التمثيل، كما عمل مديراً عاماً للمسرح المصري الحديث.

تأثر كثيراً بجورج أبيض (1880 ــ 1959)، وكان من ما قال عنه في أحد حواراته الصحافية: “أعترف بأنني حين اقتربت من جورج أبيض كنت أحوم حوله كفراشة مجنونة بضوء مصباح. وقد لاحظت وسجلت رأيي في أداء جورج أبيض العظيم. لاحظت مثلاً أن همّه الأول هو مراعاة قواعد النحو والصرف. وذلك في إلقاء كلام دوره، وليس في تعميق انفعالاته وتصيد شواردها. كان يقول لنا [أنا أنام لأفكر في الشخصية]، وهذا معناه أنه مسكون بالفن. جورج أبيض من العلامات التي قابلتني في أول الطريق وتأثرت بها، وفهمت أعماقها الفنية عندما كبرت”.

يمكن أن نلمح تأثره بجورج أبيض في استغراقه الفني وأيضاً في عنايته البالغة باللغة العربية، فقد كان كاتباً وناقداً ومترجماً إضافة إلى كونه مخرجاً وممثلاً وأكاديمياً. ومن أقواله: “بصفتي رجلاً تذوقت العربية وتعرفت إلى حسناتها، أقول إنه يجب أن يكون التمثيل باللغة الفصحى، وأقصد بالفصحى اللغة العربية الحلوة الخالية من بهرجة اللفظ وتعقد الأسلوب”.

جمعية الحمير

ومن طرائف معاناة زكي طليمات من أجل الفن والثقافة، أن الاحتلال البريطاني نبه الملك فؤاد إلى أن معهد الفنون المسرحية الذي أنشأه زكي طليمات سوف يجر مشكلات كبيرة على النظام الحاكم، لأن المسرح الذي سيقدمه سوف يناقش قضايا مثل الفساد والاستبداد، وقد استجاب الملك وأصدر قراره بإغلاق المسرح.

وفي مقابل غضب طليمات، دعاه أحد أصدقائه إلى أن يكون صبوراً مثل “الحمار”، وهو ما أوحى له سنة 1930 بإنشاء جمعية “الحمير”، بقصد السخرية من واقع المثقفين أمام السلطة الفاسدة. وكان من بين الأعضاء المؤسسين لجمعية الحمير محمود العقاد، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، والسيد بدير، وأحمد رجب، ومصطفي حسين، ونادية لطفي.

تونس والكويت

سنة 1954 دعي طليمات إلى دولة تونس لتطوير مسرحها، حيث عين مشرفاً فنياً على فرقة البلدية في تونس من 1954 إلى 1957. يقول عن تلك الفترة: “أعتز بهذه التجربة كل الاعتزاز، إن المسرح العربي كان حلمي دائماً. نعم لم يكن في قلبي أي مشاعر إقليمية. ربما ملأني هذا الشعور وأنا أطير إلى تونس لكي أدرّس ظروف مسرحها، وأحاول أن أنهض به، ذلك كان مرادي”.

وسنة 1961 دعي إلى دولة الكويت، حيث عين مشرفاً فنياً على المسرح العربي، فكان يرى أن الخليج العربي يضم مواهب فنية عظيمة بالرغم من المشاكل التي تجاوزها والتي تتمثل في نظرة المجتمع الخليجي آنذاك للفن.

يقول الدكتور محمد حسن عبد الله: “صار زكي طليمات جزءاً من تاريخ الحركة المسرحية في الكويت، لا لمجرد أنه أنشأ فرقة وشارك في التمثيل وأشرف على الإخراج، واستنبت من بين الكويتيين فريقاً ناجحاً من الممثلين والفنيين فحسب، وإنما لأنه شاهد مولد المسرح الفصيح من جانب وشهد ردود الفعل الاجتماعية المؤيدة والمناوئة، وتلقاها بمرونة واضحة حتى تم التغيير، ولأنه أخيراً رئيس أول معهد للدراسات المسرحية في الكويت”.

تراث كبير

وقد أثرى طليمات المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات؛ مثل: فن الممثل، التمثيل فن الفنون، التمثيل العربي، وقفات وتأملات، ذكريات ووجوه، موسوعة المسرح العربي. كما أشار الدكتور سيد علي إسماعيل إلى أن له مذكرات صوتية محفوظة لم يتم تفريغها وتحريرها بعد.

كذلك ترجم مجموعة من المسرحيات عن الفرنسية، مثل “الجلف” لتشيخوف، “الوطن” لسارود، “المعركة” لفروندي، الحادثة” لهنري دوفيرنوا، وعشرات المقالات المنشورة في الصحف والمجلات الأدبية الكبرى: “الرسالة” و”الثقافة” و”الهلال” و”المجلة” وغيرها.

وكان الناقد فؤاد دوارة قد نشر مقالاً سنة 1966 في “المجلة” عنوانه “ما لا يستطيعه غير زكي طليمات”، يطالبه فيه بأن يتفرغ لكتابة تاريخ تفصيلي للمسرح العربي. قال فيه: “لم أجد بين رجال مسرحنا المعاصر من يستطيع تحقيق هذه الأمنية مثل زكي طليمات، فهو الرجل الذي عاش أول فترة من تاريخ مسرحنا بالطول وبالعرض وبالعمق، وكان له أضخم الأثر في تنميته وتطويره، وتزويده بالخطط والقيم والمشروعات… فمن غيره إذن يستطيع أن يؤلف لنا مثل هذا الكتاب؟!”.

من بين المسرحيات التي قدمها طليمات مسرحية “أهل الكهف” (1935)، و”ابن جلا، صقر قريش” (1962)، و”مضحك الخليفة أبو دلامة”، و”المنقذة”، و”عمارة المعلم كندوز”، و”فاتها القطار”. أما في مجال التمثيل السينمائي، فقد شارك في عدد من الأدوار كان أقدمها في فيلم “نشيد الأمل” (1937) أمام أم كلثوم، ثم “العامل” (1943)، و”ابنتي” (1944)، و”أحلاهم” (1945)، و”أرض النيل” (1946)، و”مغامرات عنتر وعبلة” (1948)، و”خالد بن الوليد” (1958).

حصل زكي طليمات في حياته على الجوائز والتكريمات، منها جائزتا الدولة التشجيعية في 1961 والتقديرية في 1975، ونيشان الافتخار من الحكومة التونسية في 1950. وقد توفي سنة 1982 وعمره 88 سنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى