تكنولوجيا

“التزييف العميق”… مستقبل صناعة المحتوى؟

تكلفة إنتاج المقاطع بالذكاء الاصطناعي أقل (جيف سبايسر/Getty)

يُطلق على مقاطع الفيديو المعدّلة التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي “التزييف العميق” أو “التلاعب المعمق“. بالرغم من سمعته السيئة في مجال التزييف، خصوصاً لجهة كونه جزءاً من الأخبار الكاذبة التي يصعب تقفي أثرها والتحقق منها، يتزايد استخدامه بسرعة في قطاعات تشمل الأخبار والترفيه والتعليم، على اعتبار أنّ تكاليف إنتاجه أقلّ. فما هي تلك الاستخدامات؟ وهل يكون التزييف المعمق مستقبل صناعة المحتوى؟

كانت شركة “سينثيجا” Synthesia ومقرها لندن التي تنشئ مقاطع فيديو تدريبية للشركات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، إحدى أوائل المتبنين التجاريين للتقنية. فإنشاء مقطع فيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي، باستخدام نظام Synthesia، يمكن أن يتم ببساطة بالاختيار من بين عدد من الصور الرمزية، وكتابة النص. تنقل “بي بي سي” عن الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة، فيكتور ريباربيلي، قوله إن “هذا هو مستقبل إنشاء المحتوى”. ويقول ريباربيلي إن هذا يعني أن الشركات العالمية يمكنها بسهولة إنشاء مقاطع فيديو بلغات مختلفة، مثل الدورات التدريبية الداخلية. ويشرح: “لنفترض أن لديك 3000 عامل في أميركا الشمالية، بعضهم يتحدث الإنكليزية، لكن البعض الآخر قد يكون أكثر دراية بالإسبانية. إذا كان عليك توصيل معلومات معقدة إليهم، فإن ملف PDF المكون من أربع صفحات ليس طريقة رائعة. سيكون من الأفضل كثيراً إنشاء مقطع فيديو مدته دقيقتان أو ثلاث دقائق باللغتين الإنكليزية والإسبانية”. ويتابع: “تسجيل كل مقطع من مقاطع الفيديو هذه هو عمل كثير. الآن يمكننا القيام بذلك مقابل تكاليف إنتاج قليلة”.

بالتزييف المعمق يمكن للشركات العالمية إنشاء مقاطع فيديو بلغات مختلفة بسهولة

ليس الموضوع حكراً على “سينثيجا”، بل هناك العديد من الشركات التي تخوض هذا المجال. ZeroFox هي شركة أميركية للأمن السيبراني تتعقب التزييف العميق. ويقول كبير مسؤولي التكنولوجيا فيها، مايك برايس، إن استخدامها التجاري “ينمو بشكل ملحوظ عاماً بعد عام، ولكن من الصعب تحديد الأرقام الدقيقة”. ويقول الرئيس التنفيذي لشركة Veritone الأميركية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تشاد ستيلبرغ، إن القلق المتزايد بشأن التزييف العميق الخبيث يعيق الاستثمار في الاستخدام التجاري المشروع للتكنولوجيا. ويوضح أن “مصطلح التزييف العميق كان له بالتأكيد استجابة سلبية من حيث الاستثمار الرأسمالي في هذا القطاع”،”يمكن لوسائل الإعلام والمستهلكين، عن حق، أن يروا بوضوح المخاطر المرتبطة به”.

مصطلح التزييف العميق أثر سلباً على الاستثمار الرأسمالي في القطاع

من جانبه، يقول مايك باباس، الرئيس التنفيذي لشركة Modulate، وهي شركة ذكاء اصطناعي تتيح للمستخدمين إنشاء صوت لشخصية أو شخص مختلف، إن الشركات في قطاع الإعلام التركيبي التجاري الأوسع “تهتم حقاً بالأخلاق” وإن المستثمرين “يسألون عن السياسات الأخلاقية”. وتعتبر أستاذة القانون والابتكار والمجتمع بكلية الحقوق في نيوكاسل وخبيرة التزييف العميق، ليليان إدواردز، أن إحدى المشكلات التي تحيط بالاستخدام التجاري لهذه التكنولوجيا هي من يمتلك حقوق مقاطع الفيديو. وتشرح أنه “على سبيل المثال، إذا تم استخدام شخص ميت مثل مغني الراب توباك، فهناك نقاش مستمر حول ما إذا كان يجب على أسرته امتلاك الحقوق [والحصول على دخل منها]. هذا يختلف حالياً من بلد إلى آخر”.

من جانبها، ترى أستاذة الأخلاق التطبيقية الفخرية بجامعة فيرجينيا، ديبورا جونسون، أن “التزييف العميق جزء من مشكلة أكبر تتعلق بالمعلومات الخاطئة التي تقوض الثقة في المؤسسات والتجربة المرئية. نحن لم يعد بإمكاننا الوثوق بما نراه ونسمعه عبر الإنترنت”. تتابع جونسون: “قد يكون وضع العلامات هو أبسط وأهم مضاد للتزييف العميق، إذا أدرك المشاهدون أن ما يشاهدونه قد تم تلفيقه، فمن غير المرجح أن يتم خداعهم”.

التزييف العميق جزء من مشكلة أكبر تتعلق بالمعلومات الخاطئة

وتقول زميلة الأبحاث البارزة في الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد، ساندرا واتشتر، إنه “لا ينبغي أن نخاف من التكنولوجيا، ويجب أن يكون هناك نهج دقيق لها. نعم، يجب أن تكون هناك قوانين لتضييق الخناق على الأشياء السيئة والخطيرة مثل خطاب الكراهية والانتقام الإباحي. يجب أن يكون الأفراد والمجتمع محميين”. وتتابع “لكن لا ينبغي أن يكون لدينا حظر صريح على التزييف العميق للسخرية أو حرية التعبير. والاستخدام التجاري المتزايد للتكنولوجيا واعد للغاية، مثل تحويل الأفلام إلى لغات مختلفة، أو إنشاء مقاطع فيديو تعليمية جذابة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى