تكنولوجيا

“فيسبوك” تحابي زعماء العالم: النافذون فوق المحاسبة

ناريندرا مودي ومؤسّس “فيسبوك” مارك زوكربيرغ عام 2015 (سوزانا باتيس/فرانس برس)

تكشف صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، في سلسلة تقارير، عن الازدواجية التي تعتمدها شركة “فيسبوك” في تعاطيها مع زعماء العالم والسياسيين عبر منصتها، وتبين محاباتهم والسماح لهم بانتهاك قواعدها.

محللة البيانات السابقة في شركة “فيسبوك” صوفي جانغ هي من تكشف حالياً لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية عن ممارسات عملاقة التواصل الاجتماعي الأميركية “فيسبوك”، علها تجبرها على اتخاذ الإجراءات المناسبة ولو متأخرة، بعدما أقرت أن “يديها ملوثة بالدماء”، لموقع “بازفيد” الإخباري في سبتمبر/أيلول الماضي.

طردت “فيسبوك” جانغ بسبب أدائها الضعيف في سبتمبر/ أيلول عام 2020. في يوم جانغ الأخير لدى الشركة، نشرت مذكرة من 7800 كلمة، وصفت فيها رصدها “محاولات عدة من حكومات أجنبية لاستغلال المنصة، على نطاق واسع، في تضليل مواطنيها”.

يوم الاثنين الماضي، قالت “ذا غارديان” إن “فيسبوك” سمحت لزعماء العالم وسياسييه باستغلال منصتها في خداع المواطنين أو مضايقة المعارضين، رغم تنبيهها إلى هذه الممارسات. وأفادت “ذا غارديان” بأنها اطلعت على وثائق داخلية تظهر تعاطي “فيسبوك” مع أكثر من 30 قضية في 25 دولة، تتعلق بسلوك سياسي مخادع رصده موظفوها. وبينت أن “فيسبوك” سمحت باستغلال منصتها في الدول الفقيرة غير الغربية، لكي تخصص جهودها في مكافحة الانتهاكات التي يسلط الإعلام عليها الضوء في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية.

“فيسبوك” سمحت لزعماء العالم وسياسييه باستغلال منصتها في خداع المواطنين أو مضايقة المعارضين

وفقاً للصحيفة البريطانية، سارعت “فيسبوك” إلى معالجة عمليات الخداع التي استهدفت دولاً مثل الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية وبولندا، بينما تحركت ببطء أو تجاهلت تماماً القضايا المماثلة في أفغانستان والعراق وتونس وتركيا ومانغوليا والمكسيك ومعظم دول أميركا اللاتينية.

وقالت جانغ إن “فيسبوك تتجاهل الكثير من الأذى الذي يمارس عبر منصتها، لأنها لا تعتبره مصدر تهديد لعلاقاتها العامة”، مضيفة أن “فيسبوك لا تتحمل ثمن ذلك، بل يتحملها العالم كله”.

تعهدت “فيسبوك” بمكافحة عمليات الاحتيال السياسي عبر منصتها بعد فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. لكنها فشلت مراراً وتكراراً في اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب، عندما قُدمت إليها أدلة على تفشي التلاعب وإساءة استخدام أدواتها من قبل الزعماء السياسيين في أنحاء العالم كافة.

في حديث لـ”ذا غارديان”، قال متحدث باسم “فيسبوك” إنه لا يتفق مع توصيفات الموظفة السابقة بشأن جهود الشركة، مشيراً إلى أن “أكثر من 100 شبكة من السلوكيات المنسقة غير الأصيلة أزيلت من فيسبوك، كان نصفها تقريباً شبكات محلية تعمل في بلدان حول العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.

كيف يتلاعب زعماء العالم بالمواطنين عبر “فيسبوك”؟ إحدى الطرق هي التفاعل الزائف، من “إعجابات” وتعليقات ومشاركة، من طريق حسابات زائفة ذات سلوك منسق. التفاعل الزائف لا يساهم فقط في تشكيل صورة زعيم ما لدى الرأي العام، بل يؤثر في خوارزميات “فيسبوك” المتعلقة بالأخبار. المثال الأبرز على التفاعل الزائف، ما قدمته صوفي جانغ بشأن رئيس هندوراس خوان أورلاندو هيرنانديز.

في أغسطس/ آب عام 2018، كان هيرنانديز يستأثر بـ90 في المائة من العمليات الزائفة والمنسقة في الدول الصغيرة الواقعة في أميركا الوسطى. حينها، كشفت جانغ أن موظفي هيرنانديز شاركوا مباشرة في هذه الحملة الزائفة، لتعزيز المحتوى على صفحته على “فيسبوك” بمئات آلاف “الإعجابات” الوهمية. كان أحد مديري صفحة هيرنانديز الرسمية على “فيسبوك” يدير أيضاً مئات الصفحات الأخرى التي تعد لتشبه ملفات تعريف المستخدمين. استخدم الموظف الصفحات الوهمية لتقديم إعجابات وهمية على مشاركات هيرنانديز.

أولوية “فيسبوك” للدول المتقدمة والمناطق التي تحقق انتشاراً أوسع لها، وتحديداً الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وخصومها الأجانب مثل روسيا وإيران

هذه الطريقة في الحصول على تفاعل مزيف أصبحت ممكنة بفضل ثغرة في سياسات “فيسبوك”؛ تتطلب الشركة أن تكون حسابات المستخدمين أصيلة، وتمنع المستخدمين من امتلاك أكثر من حساب واحد، لكن ليس لديها قواعد مماثلة لإدارة الصفحات القادرة على مشاركة تفاعلات عدة على غرار الحسابات العادية. لم تسدّ “فيسبوك” هذه الثغرة حينها، واستغلها الحزب الحاكم في أذربيجان، لترك ملايين التعليقات المسيئة على صفحات “فيسبوك” التابعة لوسائل إخبارية مستقلة وسياسيين معارضين أذربيجانيين.

وفقاً لـ”ذا غارديان”، استغرقت “فيسبوك” أكثر من عام لإزالة شبكة هندوراس، و14 شهراً لإزالة حملة أذربيجان. في الحالتين، سمحت “فيسبوك” بتكرار الإساءة. ونقلت الصحيفة البريطانية، عن الموظفة السابقة في “فيسبوك”، قولها إن الشركة أكدت أن أولويتها للدول المتقدمة والمناطق التي تحقق انتشاراً أوسع لها، وتحديداً الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وخصومها الأجانب مثل روسيا وإيران.

في تقرير ثانٍ نشرته الصحيفة البريطانية يوم الخميس، كشفت عن سماح “فيسبوك” لشبكة من الحسابات الزائفة بتضخيم شعبية نائب ــ لم تسمّه ــ عن “حزب بهاراتيا جاناتا” الحاكم في الهند. وفقاً لـ”ذا غارديان”، كانت الشركة الأميركية تجهز لحذف هذه الشبكة، لكنها تراجعت، بعدما قُدمت لها أدلة عن تورط النائب نفسه مباشرة فيها.

قرار الشبكة الاجتماعية العملاقة بتأخير حذف شبكة الحسابات الزائفة، رغم تنبهها لها، هو المثال الأخير على أنها تفرض قواعد مخففة على النافذين من مستخدميها. وقالت جانغ: “من غير العادل أن تخصص الشركة نظام محاسبة للأغنياء والنافذين وآخر للمستخدمين الباقين، لكنه الطريق الذي اختارته (فيسبوك)”.

سمحت “فيسبوك” لشبكة من الحسابات الزائفة بتضخيم شعبية نائب عن “حزب بهاراتيا جاناتا” القومي الهندوسي

طبعاً هذه ليست المرة الأولى التي تطرح علامات استفهام حول علاقة “فيسبوك” بالحزب الحاكم في الهند، فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، في أغسطس/آب عام 2020، أن الشركة تساهلت مراراً، ومن دون مبرر، مع انتهاك قادة حزب “بهاراتيا جاناتا” لقواعدها.

في السياق نفسه، أشار محللون سابقاً إلى أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزب “بهاراتيا جاناتا” استغلا “فيسبوك” في الفوز بالانتخابات العامة التي أجرتها البلاد عام 2014. منذ ذلك الحين، أصبح تكتيكات الخداع عبر مواقع التواصل الاجتماعي شائعة في السياسة الهندية، إذ وجدت جانغ أن الأحزاب السياسية الرئيسية في الهند كلها تعتمد الأساليب الخادعة في الحصول على “إعجابات” وتعليقات ومشاركات وحتى معجبين زائفين.

وقالت الموظفة السابقة في “فيسبوك” إنها عملت على حذف شبكات وهمية تابعة لأحزاب سياسية قبل الانتخابات العامة في البلاد عام 2019، شملت 2.2 مليون “رد فعل” (reaction) و1.7 مليون مشاركة و330 ألف تعليق من حسابات غير موثوقة أو مخترقة.

في ديسمبر/كانون الأول عام 2019، اكتشفت جانغ أربع شبكات معقدة من الحسابات المشبوهة التي كانت تنتج تفاعلات زائفة على صفحات كبار السياسيين الهنود. خصصت اثنتان من الشبكات لدعم أعضاء حزب “بهاراتيا جاناتا”، بينهم النائب الذي ذكر سابقاً.

تولى موظف في “فيسبوك” النظر في هذه الحسابات المشبوهة، وصنف النظام المعتمد في الشبكة “إكس تشك” أحدها باعتباره “شريكاً حكومياً” و”ذا أهمية قصوى ــ الهند”. يستخدم النظام للإشارة إلى الحسابات البارزة وإعفائها من إجراءات إنفاذ آلية معينة. تنبهت جانغ إلى أن هذا الحساب هو العائد للنائب الذي أبقت “ذا غارديان” هويته سراً.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى