تكنولوجيا

أن تكون إيرانياً وتهوى ألعاب الفيديو: لا سبيل إلا بالحيلة

الألعاب لا تزال تجد طريقها إلى السوق المحلية (عطا كناري/فرانس برس)

يقبل الملايين في إيران على الألعاب الإلكترونية، لكنهم يضطرون يومياً إلى التحايل على صعوبات تفرضها العقوبات الاقتصادية الأميركية، لئلا يُحرَموا مزاولة هذه الهواية.

ويقول الصحافي المتخصص في الألعاب الإلكترونية، أمير كلخاني، لوكالة “فرانس برس” إنها “مشكلة بين الحكومات، وتسبب صعوبات للمستخدمين”. ويضيف اللاعب البالغ 24 عاماً: “ليست لدينا مطالب سياسية. نريد فقط أن نلعب”.

وأعاد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فرض عقوبات قاسية على إيران، اعتباراً من 2018، بعد انسحابه الأحادي من الاتفاق بشأن برنامجها النووي.

وعلى الرغم من أن العقوبات لا تطاول قطاع الألعاب الإلكترونية مباشرة، إلا أن الشركات العاملة في هذا القطاع تتفادى تقديم خدمات للإيرانيين، خشية تعرضها لإجراءات عقابية أميركية.

لكن أجهزة الألعاب لا تزال تجد طريقها إلى السوق المحلية. وفي متاجر قرب ساحة الإمام الخميني وسط طهران، تُعرض على الرفوف نسخ من أجهزة حديثة وأقراص مدمجة لألعاب مختلفة.

ويمكن العثور بينها على أجهزة “بلاي ستايشن 5” من شركة “سوني”، و”إكس بوكس سيريز إكس” من “مايكروسوفت”، علماً أنه يصعب إيجاد الجهازين اللذين أطلقا أواخر 2020 في الأسواق العالمية، نظراً لتأثير “كوفيد-19” في سرعة توريدهما بكميات كافية. لا حضور رسمياً لـ”سوني” و”مايكروسوفت” في إيران بسبب العقوبات، وتستورد غالبية منتجاتهما عبر طرف ثالث أو بتهريبها من دول مجاورة.

وتحول العقوبات على النظام المصرفي دون امتلاك الإيرانيين بطاقات مصرفية معتمدة دولياً. ويضطر اللاعبون إلى استخدام هويات معدّلة وعناوين، وحتى وسطاء في دول أخرى، لتسجيل حسابات الألعاب على الإنترنت وإبرام عمليات شراء رقمية.

وبحسب مؤسسة الألعاب الإلكترونية الإيرانية، يبلغ عدد المزاولين 32 مليون شخص على الأقل، في بلاد يتجاوز عدد سكانها 80 مليوناً. وأظهر تقرير للمؤسسة، في سبتمبر/ أيلول، أنّ الألعاب التي تتمتع بأكبر شعبية هي “برو إيفوليوشن سوكر”، و”كلاش أوف كلانز”، و”فيفا”، و”كول أوف ديوتي” و”ببجي”.

ويقول فرشاد رضائي إنّ هذه الألعاب تشكّل فرصة للابتعاد عن الهموم اليومية في بلاد تعاني راهناً من وضع اقتصادي صعب، وانتشار لفيروس كورونا يحدّ من النشاطات الترفيهية. ويقرّ الطاهي، البالغ من العمر 32 عاماً، بأن مزاولة الألعاب “من الأمور القليلة التي تساعدني في الابتعاد عن واقع الحياة”.

ومن الوسائل التي يلجأ إليها الإيرانيون للتمكن من استخدام الألعاب بطريقة سهلة وغير مكلفة، صيغة محلية لخاصية التشارك المتوافرة على منصات معظم الأجهزة والحواسيب.

وتستخدم متاجر الألعاب خدمات “الشبكة الخاصة الافتراضية” (في بي أن)، لإخفاء عنوانها الفعلي وفتح حسابات يظهر أن مستخدمها خارج إيران. بعدها، تشتري ألعاباً عبر الحساب باستخدام بطاقات اعتماد دولية أو “بطاقات هدايا”، وتبيع حق استخدامه لأكثر من شخص، ما يتيح لهؤلاء اللعب عبر الاتصال بشبكة الإنترنت أو من دونه.

وعلى سبيل المثال، تبيع المتاجر حق النفاذ إلى حسابات مخصصة للعبة واحدة على جهاز “بلاي ستايشن 4″، بما يراوح بين 20 و60% من السعر المعتاد. وتشكل هذه العملية صفقة رابحة للطرفين، فالمتجر يحقق أرباحه بالسماح لأكثر من شخص باستخدام حساب واحد، واللاعب لا يضطر إلى دفع كل المبلغ المطلوب لشراء لعبة إلكترونية.

وقد تصل كلفة شراء قرص مدمج للعبة إلكترونية في إيران إلى 60 دولاراً أو أكثر، بحسب اللعبة والإقبال عليها. ويعد هذا المبلغ باهظاً لشريحة واسعة من السكان في إيران، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور 25 مليون ريال، أي نحو مائة دولار أميركي، وفق سعر الصرف غير الرسمي.

وتنتشر على موقع “ديفار” الإلكتروني، أكبر المواقع المخصصة للإعلان في إيران، مئات الإعلانات عن حسابات كهذه.

ويعتبر أشكان رجبي أن “دفع 18 أو 28 مليون ريال لشراء لعبة (فيفا) جديدة أمر مبالغ فيه”، مؤكداً أنه يكتفي “باستخدام الحساب المشترك”. ويضيف ابن الـ31 عاماً: “اللعبة نفسها، الإحساس نفسه، لكن بكلفة أقل”.

وعلى الرغم من أن قوانين الملكية الفكرية تغيب إلى حد كبير في إيران، إلا أن رضائي يحض على أهمية تفادي قرصنة الألعاب، موضحاً أن “عليّ دعم المطوّر الذي يساعدني في نيل الترفيه. قد يستسلمون في حال لجوء الجميع إلى القرصنة”.

ويجد موقفه صدى لدى ناقد الألعاب الإلكترونية المقيم في طهران أوميد صدّيق إيماني، الذي يعتبر أن الحسابات المخترقة والقرصنة أشبه بـ”سرقة”.

ويلجأ بعض المزاولين إلى حل وسط، يقوم على شراء الألعاب من مالهم الخاص عبر وسطاء.

ويوضح الشاب صادق كيا (25 عاماً)، من أحد محال اللعب في طهران، أن الإيرانيين يحتاجون “إلى وسطاء في بلد آخر، مثل روسيا أو تركيا” يبيعون بطاقات مسبقة الدفع تتيح للاعبين الحصول على الألعاب.

ويبدي إيماني تأييده استخدام اللاعبين غير المقتدرين مالياً الحسابات المشتركة، ويشجع الآخرين على اعتماد مقاربات مختلفة، مثل “إكس بوكس غايم باس”، وهي خدمة توفر مئات الألعاب لقاء اشتراك بعشرة دولارات أميركية شهرياً.

لكن حتى في حال توافر القدرة المالية، يحتاج المقيمون في الجمهورية الإسلامية لوسطاء خارجها لدفع قيمة الخدمة، وأيضاً التحايل إلكترونياً لإخفاء مكان وجودهم الفعلي وتعديل تفاصيل حسابهم.

ويقول الصحافي كلخاني: “لا أستطيع أن أقول لشركة (إكس بوكس) إنني إيراني”، موضحاً أن على مواطنيه الادعاء أنهم “أجانب”، لأن خوادم الشركة تمنع ولوج الحسابات المتصلة بالشبكة الإيرانية. وقد تحظر الشركة أي حساب يثبت أنه من الجمهورية الإسلامية. ويضيف أن المستخدمين يلجأون إلى وسائل تحايل وبرامج معلوماتية لتغيير مكانهم الحقيقي، ما يؤثر سلباً  بنوعية الاتصال بشبكة الإنترنت.

ويشير الناقد إيماني إلى أن بعض الشركات “ليّنة” أكثر في التعامل مع الإيرانيين، “وهي على علم بما يحصل”.

ومنعت شركات عملاقة في مجال الألعاب الإلكترونية، مثل “مايكروسوفت” و”إيبيك غايمز” و”رايوت غايمز”، الإيرانيين من استعمال خدماتها، غالباً من دون تقديم أي تفسير. كل هذه العوامل، مضافة إلى الرقابة القائمة على خدمات الإنترنت في إيران، تجعل من خيارات اللاعبين محدودة.

ويقول إيماني: “السياسة ليست بين أيدينا”، مضيفاً: “نحن لم نرتكب أي خطأ. هو فقط الأمر المعتاد بأن تكون إيرانياً”.

(فرانس برس)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى